هذه الزيارة وما رافقها من برباجندة ليست أكثر من رسالة صينية مفادها أن تعاظم النفوذ الأمريكي في بحر الصين سيقابله تمدد النفوذ الصيني في منطقة الخليج وبحر العرب.
والواقع أن العلاقات الصينية السعودية ليست وليدة الساعة، فخلال السنوات الماضية تعززت الحاجة لهذه العلاقة بفعل الاحتياج الصيني للنفط السعودي وحاجة السوق السعودية لاستيراد السلع الصينية التي غزت أسواق مختلف بلدان العالم، بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية نفسها التي تستورد ما يقارب ثلث انتاج الصين من السلع، والإتحاد الأوروبي الذي بلغ حجم تبادله التجاري مع الصين نحو ثمانمئة مليار دولار العام الماضي.
وقلما كانت علاقات الرياض بغيرها من الدول تحركها المصالح، والأمثلة على ذلك عديدة، فقد برهن النظام السعودي في عهد محمد بن سلمان أنه يضع قيمة التوجهات السياسية لولي العهد فوق المصالح السعودية، فقد قطعت السعودية علاقتها بكندا لمجرد انتقاد وزيرة الخارجية الكندية اعتقال السلطات السعودية بعض الناشطات، وكان تلويح إدارة بايدن بملف حقوق الإنسان كاف لمجازفة محمد بن سلمان بالتقارب مع الصين وروسيا في مرحلة بلغ فيها التوتر مداه في العلاقات الأمريكية الروسية من جهة والعلاقات الصينية الأمريكية من جهة ثانية.
لذا فإن اعتبار هذه الزيارة نقطة مفصلية في تغيير اقتصاديات المنطقة حديث لا يخلو من المبالغة.. إذا تبدو الأبعاد السياسية لهذا التطور في العلاقات أكثر وضوحا من الأبعاد الاقتصادية، فمنذ العام 2011 وما أشيع عن تعاطف إدارة أوباما مع حركات الإخوان المسلمين التي كانت هي الأقرب للوصول إلى الحكم، إبان الثورات العربية، خطت السعودية والإمارات لنفسيهما طريق المواجهة المباشرة وغير المباشرة، ليس فقط مع حركات التغيير السياسي في المنطقة، بل ومع الأنظمة الديمقراطية الغربية، من خلال محاولات تغيير بعضها من الداخل - كما أشارت في ذلك بعض التقارير حول مساعي الإمارات لقلب نظام الحكم في أمريكا - ولم تتردد السعودية في إظهار استعدادها للتضحية بالعلاقة مع بلدان ديمقراطية واستبدالها بأنظمة استبدادية كالصين وروسيا، إلا إن هذه (الشطحات) لن تغير الواقع المتمثل في التبعية الأزلية للغرب، فالأنظمة الخليجية ليس لديها ما تقدمه لصين في الوقت الراهن أكثر من تصدير النفط، يقابل ذلك زيادة تدفق السلع الصينية إلى الأسواق السعودية والخليجية، فعجز السعودية ودول الخليج عن إدارة ظهرها للغرب برتبط ببنية هذه الأنظمة التقليدية، فهي في معظمها، صنعها الغرب كأنظمة ريعية لديها احتياج أزلي لالتماس الحماية من الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية.
فعلاوة على أن مصادر تسليح السعودية وغيرها من دول الخليج أمريكية ويصعب تغييرها على المدى القريب والمتوسط، في ظل تنامي الدور الإيراني المزعزع للاستقرار، وهو ما يجعل أمن السعودية ودول الخليج على المحك وليس بوسع الصين أو حتى روسيا ملء الفراغ الذي قد يحدثه تراجع الدور الأمريكي في ردع التهديد الإيراني على أمن السعودية ودول الخليج.
وإذا كان هناك من جديد في العلاقات السعودية الصينية فهو التحالف السياسي بين هذه الأنظمة المتشابهة من حيث النهج الديكتاتوري.. فإذا كانت أمريكا قد قررت في 2009 نقل تواجدها من الشرق الأوسط إلى بحر الصين فإن دول الخليج رأت بعد 2011 أن التحالف مع أمريكا والغرب عموما غير آمن، لذا قررت الذهاب شرقا باتجاه الصين وروسيا، نظرا للتشابهة في الأنظمة السياسية، وأملا في قطع الطريق أمام أي تأثير ديمقراطي محتمل.