رغم كل الجهود التي يبذلها الأوروبيون في العلوم والتأريخ، ومعرفة سيكلوجيات الأمم وأنماط حياتهم، إلا أن هناك نظرة قاصرة وأحكاما بالية يتم تنميط العقل العربي والإنسان بها، إذ لا يستغرق الأوروبيون وقتًا طويلًا في الحكم والتقييم على الفكر العربي، ونحن هنا حين نتخذ من التعميم عليهم لفظًا شاملًا، لا نتخذه بطريقة اعتباطية ولا انطلاقًا من نظرة عدائية تجاه كل ما هو غربي تستند في جوهرها للخطاب الديني الذي تعمد تشويه العقل العربي في لحظة انفعالات عاطفية غير واعية، ولكننا ننطلق من مبدأ أن الاستثناء لا يؤثر في شكل الخطاب والفكر الأوروبي، ولذا كان التعميم هنا إِلْزَامِيًّا، ونحن لا نسيئ بذلك للفرد الأوروبي الذي يتخذ مبادئ إنسانية وأخلاقية بحتة في تقييمه للإنسان الآخر والأمم ككل، بل ندفعه لمحاولة إعادة الفكر الأوروبي إلى مساره الإنساني، وصد الانحراف الفكري للحضارة الأوروبية، الذي يسير بها إلى منزلق خطير، قد يقذف بالإنسان والبشر في هاوية تأريخية، عواقبها مروعة، ونهاية أبدية للإنسان، وبالطبع سقوط للحضارة الأوروبية بكل ما تختزله من تقدم وتطور علمي وبلوغ عال في مستوى الإدراك والوعي البشري.
نعود للحديث عن الكيفية أو الأسلوب الذي لا بد من أن نتخذه لإبراز الفكر العربي وأسس تعاملنا مع الآخر لإزالة التشويش المستحوذ على الذهنية الأوروبية تجاه الشعوب العربية، والإسلامية فكرًا، وَفَنًّا، وأخلاقًا.
ولذا ستكون فرصة قطر باستضافتها للمونديال العالمي، لحظة فارقة في حياتنا كعرب وشعوب العالم الثالث كما يصفنا الأوروبيون، لحظة سنحاول إزالة كل الرسومات والصور الجاهزة عنا في أذهان العالم، وإبراز لكل ما يحتويه العقل العربي ويفكر به، حتى وإن كانت أفكار محدودة ولا تواكب المعايير الحضارية الأوروبية، ودون أن ننظر لمدى انقسامنا كنتيجة لقصور الوعي العربي، هذا إجحاد بحق الفكر العربي مقارنة بالفكر الأوروبي الذي يتخذ معايير لا إنسانية ومصلحية في نظرته تجاه الآخر، وهذا ما قد يكون تأخرا بنظر العقليات العربية المندفعة تجاه الحداثة والتقدم العلمي والحضاري.
في حالة تحقق الحلم العربي الذي يكمن فيما خلف تقديم نسخة مميزة من المونديال، ستكون لحظة مفصلية في التأريخ البشري، ذات بعد إنساني وأخلاقي بالدرجة الأولى، ثم يأتي أفضلية النسخة والتنظيم للبطولة، نقطة جوهرية في الذهنية الأوروبية والعالمية ومستوى نظرتهم للعالم العربي والشعوب التي تقطن في هذا الجزء من العالم، ربما قد تساهم تلك النقطة في تغير نظرة الأوروبيين لنا مقارنة بالنظرة السابقة- ما قبل كأس العالم- التي تحتوي على صوره سوداء، وعقم فكري، وبلادة تأريخية، شوهت كل جميل فينا.
وحتى وإن لم يتحقق ذلك التغيير في الفكر الأوروبي على المدى القريب، إلا أنه سيشكل دافعا نفسيا مقلقا في نفسية الفرد الأوروبي ولو على المدى البعيد، ما يثير قلقه للبحث والتعرف عن حقيقة تلك الشعوب واستكشاف حقيقي للفكر الذي يحملونه، والمبادئ الأخلاقية والإنسانية في تعاملهم مع الآخر، ونكرر مرة أخرى بعيدًا عن المعايير الحضارية والمادية، ما قد يؤصل مفاهيم أخرى ويحث على تبني الفرد الأوروبي سلوكيات جديدة وتغير حقيقي في نظرته للعقل العربي وأبعاد تفكيره المعتدل تجاه الرغبة الأوروبية للانغماس في الأفكار الشمولية المادية التي لا تراعي حقوق الإنسان وخصوصياته الفردية والمجتمعية، والتي تحاول الآلة الفكرية الأوروبية فرضها على الأمم.