صحيح أن رفض تمديد الهدنة جاء على لسان الحوثيين لكن من صنع هذا الموقف وجعلهم يبتلعون الطُعم رغم أنهم الطرف المستفيد من تمديد الهدنة، الواقع أن السعودية هي من أقنع الحوثيين ونسق معهم لإبرام اتفاقية الهدنة الأولى في 2 إبريل عقب تشكيل المجلس الرئاسي ومشاورات الرياض، وهي من نسق معهم لتمديد الثانية، في 2 يونيو، فقد كانت الهدنة بمثابة (جَزة) من المملكة العربية السعودية للحوثيين، محاولةً منها لكسب ودهم، وكان في جعبتها المزيد من الإغراءات لهم لولا أنهم أصروا على أن يضعوا قَدمًا في الرياض وأخرى في طهران، وهو ما جعل جزءًا من قرارهم بيد إيران، تجلى ذلك في الاستعراضات العسكرية التي نفذوها في الحديدة واستعراض قدراتهم الصاروخية والعسكرية في صنعاء، وقيامهم بمناورات جوية بطائرات مروحية في صنعاء ومناطق التماس بتعز، وتلويحهم باستهداف السعودية وباب المندب إن لزم الأمر، لذا كان من المتوقع أن يتغير موقف الرياض من خفض التصعيد وتمديد الهدنة، و‘إعادة النظر في الموافقة على تمديد هدنة موسعة، أي ترك سياسية (الجَزرة) واستبدالها بسياسة (العصا)، من خلال التمسك بتنفيذ بنود الهدنة كاملة، ورفض أي شروط ومطالب جديدة يضيفها الحوثيون، باعتبارها عراقيل أمام الجهود الأممية لتمديد الهُدنة، أو ما أسمته السعودية "مطالب لانهاية لها، وليس بوسع الحكومة اليمنية الاستجابة لها"، بما يحول دون تمديد الهدنة ويحول دون استمرار المكاسب التي حققها الحوثيون خلال الأشهر الماضية.
وتجدر الإشارة إلى إن السعودية، رغم إعلانها القبول بتمديد الهدنة هذه المرة إلا أنها كثفت جهودها في تعزيز المحاور العسكرية، من خلال التجنيد والتدريب، ورفع الجاهزية للحرب.
وخلال الأيام الماضية كان من السهل على أي مراقب معرفة أن السعودية لا تريد تمديد الهدنة، ليس فقط تأديباً للحوثيين بل كذلك تصفيةً لحسابات قديمة ومتجددة مع إدارة بيدن الحريصة على استقرار أسعار النفط، لما تتوقعه الرياض من مواقف مد وجزر من قبل الخارجية الأمريكية بشأن ملف خاشقجي، لهذه الأسباب وغيرها بدا واضحًا في تصريحات وزير الخارجية السعودي في أكثر من مناسبة: أن الحوثيين سيرفضون تجديد الهدنة، كما ظهر ذلك في موقف رئيس المجلس الرئاسي اليمني الذي قال قبيل انتهاء الهدنة (قدمنا الكثير من التنازلات ولدينا استعداد لتقديم المزيد من أجل الشعب اليمني)، وهو موقف غير متوقع، فقد كان الأولى به أن يتمسك ببعض الشروط، مثل فتح طُرق تعز، على سبيل المثال، وإن كان على استعداد للتخلي عنه، ليتيح للحوثيين احراز نصر معنوي أمام أنصارهم، من خلال تجاوز أحد شروط الهدنة، لكنه بدلًا من ذلك أظهر مرونة عالية أغرت الحوثيين على طرح أعلى قدر من المطالب والشروط لتمديد الهدنة، دون تقديم أي تنازلات، وكان بامكانه التمسك ببعض الشروط للتخلي عنها في اللحظات الأخيرة ، فكمايبدو أن مرونة الحكومة اللامتناهية كانت بمثابة طُعم أغرى الحوثيين لطرح مطالب خارج شروط الهدنة، لتصبح مبررًا لفشلها وعدم تمديدها.