منذ نحو ثلاثة أعوام وأنا أفكر في عمل ذا محتوى جديد يلتقط الحياة بتفاصيلها وما ورائيتها المختلفة ويعيد الاعتبار للذاكرة المحملة بالكثير من المواجع والقليل من الفرح والكفاح الذي لا يتوقف.
في كتابي السابق (الرحيل عن الجنة) رويت بعضا من قصتي ولم يكن هدفي في المقام الأول تقديم سيرة ذاتية ولكن أرشفة زمن عشته وهو زمن كنت حاضرا فيه وكانت أحداثه جزءا من تاريخ اليمن الآن وفي السياق وجدت نفسي أخصص جزءا منه لرواية قصتي لكنها لم تكن قصتي الكاملة، هناك أشياء يحز في نفسي أنني لم أتمكن من الحديث عنها لأنها لا تقال الآن، أو ستقال فيما بعد متحررة من أشكال التعسف والتحوير وهناك أشياء اقتربت منها لكنني لم أقل كل شيء وفي الأول والأخير هذه النفس مستودع الأسرار والمفاجئات.
لست هنا في معرض الحديث عن كتابي (الرحيل عن الجنة) الصادر عام2020ولا أعرف كم قارئا قرأه لكنني على يقين تام بأن فيه ما يمكن العودة إليه بالنسبة للجيل الذي عشته وللمهنة التي عملت فيها وللزمن الذي. كنت فيه.
وإن كنت أذكر شيئا يسعدني فهو أنني أهديت كتابي قبل ثلاثة أشهر لقارئ جميل ومبدع، الصدفة وحدها جعلتنا نلتقي في الدوحة، وقد قبل ثلاثة أشهر وأهديته مجموعة من إصداراتي وبينها الرحيل عن الجنة.
هذا القارئ الرائع كان الأستاذ عبدالسلام فارع المعلق الرياضي والشاعر الغنائي والكاتب، لقد وقف الأستاذ عبدالسلام وهو ابن المدينة التي احتضنتني تعز على كل حرف كتبته، وكان هذا يعني لي الكثير فقد أهداني بعض الملاحظات بحب ووقف حيث يجب الوقوف وصفق حيث رأى أنه كان ينبغي أن يصفق.
ولا أبالغ لو قلت أنني سعدت سعادة غامرة برأيه عن الكتاب بالذات ومجموعة الإصدارات التي قرأها بحب أيضا وهو يعرف الكثير من الشخصيات التي ذكرت ويفهم عن المواقف التي تحدثت عنها وأزعم أنني اطمأننت إلى طريقتي في الكتابة فقد كان الناقد مدهشا وخبيرا ونبيلا.
ولازلت أحاول الإمساك بتلابيب الذاكرة لتطويعها وحثها على خوض تجربة جديدة أكثر عمقا ومعنى حيث هذه الحياة التي تبدو لي أشبه بحلبة ملاكمة أو مصارعة أو حلبة كبيرة لفنون القتال تقطع الأنفاس وعليك أن تحمد الله كثير أنك خرجت منهما مهزوما بالنقاط وليس بالضربة القاضية.
وجوه تمر وأفكار ومدن وأماكن ومؤسسات، وأصدقاء وأقنعة وقفازات ومسارح للعبث الإنساني وخيانات تحتم عليك أن تتعلم كل فنون القتال وأن تتدرب جيدا لتحاشي اللكمات القاتلة أحيانا.
أنا وأنت ذرة صغيرة في هذا الكوكب المريب والمريع وهناك غيرنا وغيرنا من مليارات البشر يتعرضون لأفدح الكوارث على يد بشر مثلهم تنظر حولك فتجد الموت والجوع والمرض والفاقة والتشرد والإدمان والجرائم تصطاد الآلاف يوميا في حالة تشبه الغابة وأكثر قليلا.
دعك من كل هذه الأحداث الكبرى، انظر لنفسك وأنت تستيقظ يوميا تشمر عن ساعديك وتفتح صدرك في مواجهات جديدة منذ أول يوم في حياتك منذ الصرخة الأولى ثم في المدرسة ثم في العمل ثم في الشارع وأنت في قتال دائم.
ولطالما حدث أحدنا أحيانا نفسه حول ما جدوى كل هذه الحياة المليئة بالمعارك والدماء والفساد الإنساني والمراوغات الشخصية؟
انت خلقت إذن لتقاتل، هذا ليس مؤكد بالطبع، هذا ليس هدف الحياة ولامعناها، تدور حول نفسك وأنت ترممها على وقع هذه الأسئلة التي خلفتها حروب السوشيل ميديا، والمعلومات وهذا التطور الرهيب الذي قضى على روح الله في الإنسان وحول الحياة إلى غابة لكنها غابة بدون أشجار وحيوانات مفترسة وإنما هي غابة من الهواتف الذكية والسيارات الكهربائية ومواقع التيك توك والسناب شات والإنستغرام وكل هذا السيل الجرار من الإعلام الذكي الذي يحاصرك بقنابل ذرية من المعلومات الغبية.
أريد أن أعيد كتابة هذه الأشياء في شكل أسئلة جارحة وحارقة تبدأ في معنى الحياة والاستمرار بها ولا تنتهي عند البحث عن هذا العناء الذي يجرنا كل يوم إلى معارك يومية وجانبية، أن أجلس قليلا مع تلك الوجوه التي غادرتني فأسألها ماذا شعرت؟ عن الأصدقاء الذين تهافتوا فأسألهم ماذا كسبوا؟ عن الثائرين الذين انتكسوا فأعيد سؤال ما الجدوى؟
عن شعوري وشعورك بالحزن حينا بالقهر أحيانا وبالخذلان وبالفقد وبالوفاء وبالأشياء التي تأتي في غير موعدها وفي تلك التي تأتي وقد فقدنا الحماس لأجلها.
حقا أشعر بأن عندي لكل واحد مر في حياتي علامة استفهام ولكل قصة سمعتها وعايشتها سؤال مرير ولكل وجه قابلته صفحات لابد أن تكتب وجدارية كبيرة.
إنها الحياة الكبيرة والعظيمة والغبية أحيانا تستحق أن نرصد كل شيء فيها ونستمتع بأننا مازلنا نتنفس في حلبة القتال هذه!
*نقلا عن صفحة الكاتب في فيسبوك.