كتبنا وتحدثنا في وسائل الإعلام عن مخطط الانقلاب على الشرعية الذي تقوده الإمارات والسعودية ، بهدف قطع الطريق على إمكانية استعادة الدولة ودفع اليمنيين للاقتتال الداخلي وخلق تنافس غير مشروع على السلطة ولجؤ السعودية إلى إيهام اليمنيين بالحوار والمصالحة ، في الوقت الذي كانت تنسف الجغرافيا من تحت أقدام الشرعية وعدم تمكينها من المكان ، فمنعت هادي من النزول في مطار عدن ، وشجعت على طرد الحكومة التي شكلتها في اتفاق الرياض .
قلت مرارا وتكرارا بأن السعودية تقوم بدور طبيب التخدير وتقوم الإمارات بدور الطبيب الذي يجري العملية الجراحية ، وحذرت من تدخل السعودية في شبوة وأن ضمانها لخروج الإمارات من منشأة بلحاف ماهو إلا خدعة ، قلت حينها بأن السعودية والإمارات تعدان للانقلاب على محافظ شبوة الذي أراد استعادة تصدير الغاز الذي يدر على خزينة الدولة أكثر من عشرين مليار دولار .
لم تكن الإمارات والسعودية لتقوما بذلك ، بدون أن يكون هناك يمنيون يعملون بالأجر اليومي وبصور متعددة ، وربما أكثر من نفذ ذلك بوعي أو بدون وعي ، هي قيادات المجلس الانتقالي التي أقدمت على الانقلاب في عدن تحت شعارات مجافية للواقع ، فشعار استعادة الدولة ، تكذبه الممارسات التي تنم عن عمل العصابات ، وشعار الجنوب العربي ، تكذبه الأزياء والشعارات الإماراتية التي يلبسها ويتقلدها الانتقاليون ، وبعد كل هذه السنوات ، يتساءل أبناء عدن ، ماذا جنوا من سيطرة الانقلابي على مدينتهم ؟
وبعيدا عن الشعارات وحديث استرداد الدولة ومهرجانات وبهرجات الانتصارات التي لا تنتهي ، يظهر عيدروس الزبيدي في حالة يرثى لها
لديه انفصام في الشخصية يعجز أطباء بلا حدود عن معالجته ، وأصبح أضحوكة أمام الملأ ومسخرة أمام من استأجره لهذا الدور الذي يلعب فيه شخصيتين مزدوجتين ، إحداهما تلعب دور الانفصالي ، والأخرى دور الشرعية ، كان بإمكانه أن يكون يمنيا وسيحترمه الآخرون ، حتى لو كان إنفصاليا .
فمنذ انقلاب المجلس الانتقالي وعدن تسير من سيء إلى أسوأ ، بل وتعاني على كافة المستويات ، فقد تكرس الانقسام داخل المجتمع الواحد وانقسمت معه الجغرافيا ، وأصبح خطاب الانتقالي صدى لخطاب الإمارات التي أوقفت نفسها لمواجهة الإخوان المسلمين والإصرار على تحويل حزب الإصلاح إلى عدو بدلا عن العدو الحقيقي المتمثل بعصابة الحوثي الإرهابية ، وأصبحت عدن غير قابلة للحياة ولا توجد أية فرصة لنهضة حضارية عمرانية ، بل هناك تدمير ممنهج لهذه المدينة وتجريف الأرض وعدم تحسين مستوى المعيشة والخدمات .
ففي ظل الانقسام الذي أحدثته الإمارات والسعودية في مؤسسة الشرعية ، ومع استمرار إصرار الانتقالي على تعطيل مؤسسات الدولة ، فلا فرصة أو أمل بتحرير أو استعادة ولو شبر واحد من الأرض التي تسيطر عليها عصابة الحوثي الإرهابية ، لا عن طريق العمل المسلح ولا عن طريق العمل السياسي والدبلوماسي ، فالسعودية والإمارات تعملان جاهدتان على إبقاء الانتقالي مسيطرا على عدن لضمان استمرار الانقسام الذي يشكل أهمية استراتيجية للإمارات .
والآن وبعد أن تشكل مجلس القيادة الرئاسي والذي جاء لمعالجة القصور الذي أحدثه الرئيس هادي كما زعمت السعودية والإمارات ، يجرنا السؤال ، إلى : لماذا لم يتم إنجاز اتفاق الرياض وإعطاء المؤسسة العسكرية والأمنية دورهما في استعادة الأمن الداخلي وحماية السيادة الوطنية ؟ وأين ذهبت هيئة المصالحة التي من مهامها إنجاز مصالحة داخل مكونات مجلس القيادة للوصول إلى توحيد القرار السياسي والعسكري ؟
خلاصة القول ، هناك ثلاثة عوامل تلعب دورا في استمرار الانقسام ، الأول ، ما صنعته الإمارات والسعودية ، حيث تعمدتا بشكل مدروس أن تمنعا الشرعية من مزاولة عملها في عدن كعاصمة للشرعية ، وتهيئة الظروف لحدوث الانقسام ، الثاني ، هو تبعية رئيس الحكومة ورئيس البرلمان للقرار السعودي ، الإماراتي وتوظيف كل إمكاناتهما لصالح السعودية والإمارات ، على حساب المصلحة الوطنية ، الثالث ، هو مترتب عن الأول والثاني ، ويتعلق بالعمل الدبلوماسي الذي أفرغ من وظيفته وتحويله إلى ضمان اجتماعي ، أو إلى نزهة علاجية ، مما ترك الأمر مفتوحا أمام عصابة الحوثي لملء هذا الفراغ من خلال بضعة ناشطات حول العالم ، وبدون أن يقال رئيس الحكومة وتسقط الحصانة عن رئيس البرلمان ويقدما إلى المحاكمة ، فإن اليمن ستخرج من دائرة الدولة لتسقط في دائرة الفوضى لعشرات السنين القادمة .