شاعت كلمة المصالحة بين الناس وعلى ألسنة أعضاء المجلس الرئاسي ، وأتذكر أن أول مرة سمعت فيها تعبير المصالحة كان عام 1982، حينما دعا النظام في تلك الفترة الجبهة الوطنية التي كانت تخوض حربا ضده إلى إلقاء أسلحتها والانخراط في الحياة السياسية ، ثم تكررت الدعوة عام 90 بعد قيام الوحدة لإجراء مصالحة بين الإخوة الجنوبيين الذين اقتتلوا عام 86 ، تلا ذلك الدعوة مجددا بعد حرب صيف 94 ، ثم عاد مجددا في عام 2007 حينما أطلقته بعض القوى في المحافظات الجنوبية .
في ظني أن الإلحاح على فكرة المصالحة تلخص إلى حد كبير جوهر المشكلة التي يدور حولها الخلاف في اليمن ، لأننا نبحث عن الشكل دون المضمون ونهتم بالمظهر دون الجوهر ونخفي في أنفسنا مالا نظهره ، حتى أصبحت الخصومات فيما بيننا ظاهرة متكررة لا تقف عند حدود ونغلب العواطف على الحقائق ونعتنق الشعارات دون تحليل مضمونها ونقول مالا نفعل ونفعل مالا نقول .
لست بحاجة للقول إننا بحاجة إلى المصارحة قبل المصالحة ، فالحوار أو المصارحة أمر في غاية الأهمية ، لكي نتوقف أمام الرؤى والمواقف المخالفة ، فالمصلحة الوطنية للشعب تلزم جميع القوى السياسية بوضع كل أوراقها على الطاولة ليتصارحوا ، وليس من المصلحة الوطنية أن نبرر للزبيدي إنحرافه في أداء اليمين الدستورية ، بل علينا أن نتقبلها كما هي ونفتح نقاشا حولها وبالقلم العريض من مع الوحدة ومن مع الانفصال وندير حوارا مجتمعيا وسياسيا حولهما على قاعدة الأخذ بالمصلحة العامة وأنه لا انفصال بالقوة ولا وحدة بالقوة أيضا .
لماذا نبرر لعيدروس ونفرض على الرجل مالا يؤمن به ، علينا أن نفتح حوارا صريحا حول الوحدة والانفصال ، خاصة وأن هذا الموضوع نوقش في كواليس لقاء مسقط وأكده السفير السعودي محمد آل جابر في مقابلته مع قناة روتانا خليجية التي أظهر فيها توجه المملكة في تصفية الوحدة تحت شعار نحن مع ما يقرره اليمنيون ، ضاربا بالمرجعيات وبالقرارات الدولية عرض الحائط ، لهذا أقول إنه ليس من مصلحة اليمنيين أن تظل قضية الوحدة والانفصال بعيدة عن المناقشة ، حتى لا نضيع سنوات أخرى من إهدار التنمية في اليمن .
نحن اليوم لا نمتلك رفاهية الوقت ولا يوجد أمامنا فرصا أخرى للفشل ، كما أنه ليس لدينا الوقت للمضي خلف النظام السعودي الذي أصبح من الواضح أنه محاط بعناصر كآل جابر تعمل على تفكيكه تحقيقا لرغبة المشروع الصهيو إيراني في إعادة تقسيم منطقة الشرق الأوسط وتحقيق الهلال الشيعي ، ومن هنا فإنني أدعو المجلس الرئاسي إلى توسيع قاعدة هيئة المصالحة الوطنية وتطعيمها بالحكماء والكفاءات الوطنية والانطلاق من قاعدة توحيد جميع القوى في إطار واحد وربطها بمشروع إعمار شامل والمضي نحو بناء الدولة تحت أي كيفية كانت ، سواء بالوحدة المركزية أو بإقليمين أو أكثر شريطة أن يتم ذلك بالأسس التي تؤدي إلى مصلحة اليمنيين وبما يمكنهم من مواجهة عصابة الحوثي التي لن تصل إلى سلام مع اليمنيين لأن قرارها بيد إيران وإيران لن تتنازل عن العاصمة الرابعة التي أصبحت ملك يمينها .