حين كنت أدرس في جامعتي جامعة عدن، لم أكن أدرك ما ينتظرني خلف أسوار الجامعة، ولم يتبادر إلى ذهني كيف هي الحياة العملية بعد التخرج ونبل الشهادة.
وبعد ست سنوات من الدراسة والاجتهاد والتعب كل ما كان يشغل تفكيري هو النجاح، وفعلا أكملت امتحاناتي النهائية للسنة الأخيرة بدراستي، وبدأت اخطط كيف انطلق نحو حياتي العملية، وكيف يمكنني أن أسير أولى خطواتي بالتطبيق العملي لكل مادرسته.
ولذلك تقدمت للعمل التطوعي بمستشفى تعليمي، ولانه كان المستشفى التعليمي الوحيد بمحافظة عدن، كان عدد المتقدمين كبير، ولم يتم قبول طلبي وقتها، وعلمت أن القبول للعمل التطوعي يخضع لتوصيات فلان وعلان ومحسوبيات لم أكن أدرك وجودها من الأساس.
لم استسلم، وقدمت بطلب آخر لمستشفى غير تعليمي وتم قبولي، وبدأت بالعمل بقسم الطوارئ، واستمر عملي التطوعي هذا لسنوات طويلة، وانهكني نفسيا، فعلى الرغم من حبي لعملي، واكتسابي لخبرة، وشعوري بالرضا لمساعدة مرضى أغلبهم لايستطيع دفع ثمن علاجهم، ألا احتجت لدخل مالي يغطي حاجتي من مواصلات وغيره.
كان من الصعب عليا أن أظل اعتمد على أهلي وقد أصبحت طبيبة، ولأن عملي كان تطوعي لم أكن استلم عن مناوباتي غير خمسمائة ريال لكل مناوبة مدتها 24 ساعة من العمل الشاق، لم تكن تكفيني أجرة التاكسي الذي ياخذني من محطة المواصلات لباب المستشفىى، وهذا دفعني للبحث عن عمل آخر بمستشفى خاص.
ومن هنا بدأت رحلة المعاناة، كان عليا أن استمر بالعمل التطوعي لما يوفره لي من خبرة عملية وعلمية، وفرصة لوظيفة حكومية والتي تمنحني إمكانية لاستكمال دراستي العليا على نفقة الدولة، بينما العمل بالمستشفى الخاص يوفر لي المرتب، وهكذا استمرت حياتي العملية باللهث هنا وهناك، على أمل الحصول على وظيفة حكومية لأتمكن من توفير طاقتي لاستكمال دراسة تخصصي، ومرت السنوات وكل عام يتم توظيف أطباء لا وجود لهم بالمستشفى، بينما كانت المعاناة مستمرة في النقص الشديد للأطباء.
أغلب زميلات دفعتي تم توظيفهم بالارياف كلا حسب محافظته، الفساد والمحسوبيات الذي غرقت فيه عدن في تلك الحقبة لم يكن في حسباني، وأنا أدرس كل تلك السنوات، ولم أكن أتخيل أن هذا ما ينتظرني بعد تخرجي!!!
ولم أجد وظيفة تعولني ولا تأهيل ولا تدريب من الدولة التي أعمل لديها مجانا وتطوعا مني، كيف يمكن لأي دولة أن تنهض دون المحافظة على كوادرها؟ وكيف يمكن لكوادرها أن ينهضوا بدولتهم دون الاهتمام بتدريبهم وتاهليهم؟!!!!
*مقال خاص بالموقع بوست.