أكد الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله المؤكد أول أمس، بإعلانه أن المنطقة ذاهبة إلى «حماوة» من الآن حتى الانتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، مستدلاًّ من هذا الواقع على أن «هذا يرتب علينا في لبنان المزيد من التلاقي على رغم الخصومات، والعمل من أجل تدوير الزوايا».
فهو منغمس في القتال وفي كل الأزمات المحيطة بلبنان، من سورية إلى اليمن والعراق، وفي التدخل في البحرين ودول الخليج، طبقاً للسلوك الإيراني المعروف. وهو يتكلم من موقع الشريك في قرار التدخل الإيراني في هذه الدول، خصوصاً أنه أُوكلت إليه إدارة هذا التدخل بوسائله العسكرية والسياسية والإعلامية والتفاوضية، كما في اليمن مثلاً.
وإذا كان قائد «حزب الله» ردّ الحماوة إلى أن «الإدارة الأميركية الحالية بحاجة إلى إنجازات سياسية وعسكرية لتوظفها في معركة الانتخابات الأميركية لتبقى في السلطة»، فإن الوجه الآخر لهذه الحماوة هو أن المحور الذي ينتمي إليه «معني بأن يكون مستعداً للحفاظ على ما أنجز ثم الانتصار».
ينسب فريق إيران إلى الأميركيين وغيرهم من الدول، ما يقوم به هو بنفسه لتعديل موازين القوى في دول عدة، عبر عشرات آلاف المقاتلين المستجلبين، كما في سورية، ويسهل عليه اتهام الفصائل السورية المسلحة بخرق الهدنة، ويستفيد من التفجيرات الإجرامية التي يقوم بها «داعش»، في وقت لا يتردد في التبشير «بتحقيق إنجازات أكثر»، في بلاد الشام.
وفي وقت يحدد نصرالله طريق «إعادة تكوين السلطة» في لبنان، في معرض حديثه عن الحلول التي يسعى رئيس البرلمان نبيه بري إلى اجتراحها للخروج من المأزق الرئاسي واهتراء المؤسسات، فإن «الإنجازات» الخارجية التي يثمنها تتلخص بعرقلة المفاوضات على الحل السياسي الهادفة إلى قيام سلطة انتقالية في سورية، وإلى عودة السلطة الشرعية لممارسة دورها على أراضيها في اليمن، وفق مرجعيات التفاوض الدولية بعد الانقلاب الحوثي.
وعلى رغم الفارق بين لبنان كأحد ميادين النفوذ الإيراني، وسائر الدول التي يتورط الحزب وإيران في حروبها، فإن أوجه الشبه بين ما يجري في البلد الصغير وبين هذه الدول، يكمن في الحؤول دون قيام سلطة إذا لم تكن ملائمة لخطط التمدد الإيراني، فأي سلطة انتقالية في سورية لن تبقي دمشق مرتعاً لنفوذ إيران باسم شعار حماية «محور المقاومة»، وستقطع طريق التواصل مع إيران عبر العراق وصولاً إلى لبنان. وهو ما يدفع طهران إلى الاستماتة في الدفاع عن الأسد. وأي تخل من قبل الحوثيين وعلي عبد الله صالح، عن إمساكهم بما تبقى من المناطق التي استطاعوا الاحتفاظ بها، يعني التسليم بسلطة ترفض استخدام اليمن منصة ضد دول الخليج والمملكة العربية السعودية. وليس صدفة أن يطالبوا بـ «إعادة تكوين السلطة» هم أيضاً.
في لبنان، يحول تعطيل انتخاب الرئيس دون اكتمال سلطة يصعب أن تواكب حضور الحزب عسكرياً وسياسياً على مساحة الإقليم «لأن المرحلة سترسم مصير لبنان وسورية والعراق واليمن والبحرين وفلسطين والمنطقة لعشرات السنين، إن لم يكن لمئات السنين» كما قال نصرالله. فأي رئيس من حلفائه، لن يكون مستعداً لمماشاة الحزب في السياسات الكبرى التي ينخرط فيها.
وهو لذلك يفهم «إعادة تكوين السلطة» التي ربطها بالسجال اللبناني المفتوح والممل على قانون الانتخاب، على أنها تحجيم لشركاء آخرين فيها ليسوا في وارد إسباغ تغطية شرعية على تدخلاته الإقليمية، أو على انتزاع التزامات من هؤلاء تضمن عدم معاكسة مقتضيات المواجهات التي يخوضها. الشرط الأول لـ «إعادة تكوين السلطة» في لبنان بالنسبة إليه هو أن تساهم مكوناتها في رد ضغوط العقوبات الأميركية والعربية، وأن تتحمل معه تداعياتها، حتى لو تطلب الأمر إجراءات حيال هذه السلطة مثل تلك التي اتخذتها دول الخليج والسعودية بوقف هبة تسليح الجيش، لأن الحزب «يصادر قرارها».
تتعذر مصادرة السلطة في لبنان عبر انقلاب «حوثي»، وتصعب العودة إلى سلطة شبيهة بتلك التي يمثلها الأسد (كما في مرحلة الوصاية). كان يمكن الاعتقاد أن الحزب، بعد اتساع الضغوط الخارجية عليه لتشمل الجانب المالي، سيسهل قيام السلطة بانتخاب رئيس ويقبل بفصل الحلول عن الوضع الإقليمي. لكن البديل هو تعطيل تكوينها، والموزاييك اللبناني العجيب يتيح اختراع الحجج لتغطية الدوافع الإقليمية. ومفعول هذه القاعدة مستمر حتى الانتخابات الأميركية.
إلا أن المشكلة في أن الحزب لا يأبه لتراكم الأضرار على جمهوره ولتبرم حلفائه من ثقل ما يفرضه، فهو لم يأبه لتبرم حلفائه حتى في سورية.
نقلا عن صحيفة الحياة