رغم قسوة الحرب في اليمن والتي سوف تتعدى قريبا عامها السابع إلا أن مجال الدبلوماسية ما زال متاحا على صعيد تواصل الجهود العمانية المخلصة، ومن خلال التنسيق مع المبعوث الأممي والأمريكي أو من خلال التواصل بين مسقط والرياض، وبين الرياض وطهران. ويبدو لي أن تمدد الحرب ووصول شراراتها إلى عدد من دول مجلس التعاون الخليجي خاصة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة وتواصل تهديد الملاحة البحرية في المنطقة فإن المشهد السياسي يقول إن تصعيد الحرب قد يكون بداية للحل السياسي وقد يكون خروج الحرب عن مسارها وتحولها إلى حرب إقليمية وهي تكاد تكون كذلك الآن.
إن الحسم العسكري في كل حروب اليمن منذ عدة عقود يبدو مستحيلًا لأسباب موضوعية وجغرافية واستراتيجية، ومن هنا فإن المنطق السياسي يفرض على كل فرقاء الحرب في اليمن إعادة التفكير جديا في إنهاء هذه الحرب الكارثية والجلوس إلى طاولة الحوار لأن هذا هو الخيار الوحيد لإنقاذ اليمن ووحدة أراضيه وانتشال شعبه العظيم من أكبر الكوارث الإنسانية التي حدثت بعد الحرب العالمية الثانية. والحرب في اليمن وصلت مداها ولم يعد بالإمكان تواصل نزيف هذه الحرب لا من الناحية الإنسانية ولا من الناحية الاقتصادية والاستراتيجية أو حتى من خلال مسألة الحسم العسكري، حيث تحولت الحرب في اليمن إلى ما يشبه حرب الاستنزاف التي تبقى مجرد عمليات تصعيد وتصعيد مضاد، والأضرار بالمنشآت الاقتصادية والمدنية بين فرقاء الحرب.
وطالما أن الحرب مستعرة منذ أكثر من سبع سنوات فإنها تحولت إلى مقامرة إقليمية ودولية، للأسف، فسوق السلاح في الغرب لا يهمه سوى عقد المزيد من الصفقات وربح المليارات من الدولارات كما أن فرقاء الحرب هم في النهاية عرب ومسلمون وبينهم من المشتركات الكثيرة وأن التدمير المتبادل هو مضر بمصلحة شعوب المنطقة بشكل عام ولا يوجد الشعور بالأمن والاستقرار في أكثر من عاصمة في المنطقة.
إن مسار الحوار السياسي الذي نادت به سلطنة عمان من خلال دبلوماسيتها الواقعية ومنذ اندلاع هذه الحرب عام 2015 هو المنطق الصحيح الذي يؤدي إلى حقن الدماء والمقدرات لكل فرقاء الحرب ولا يزال الوقت ممكنا والظروف السياسية مواتية للوصول إلى حل سياسي واقعي للصراع الدامي في اليمن، وشرارة تلك الحرب التي تعدت اليمن إلى عدد من دول المنطقة ومن هنا الحوار يظل هو الآلية الصحيحة لحل الخلافات، والكل يدرك أن الأزمة اليمنية معقدة، ومع ذلك فإن هناك أزمات وصراعات دولية وإقليمية أكثر تعقيدا، وتم حلها من خلال الحوار والجلوس على طاولة التفاوض، وهذا هو المبدأ الأصيل للسياسة الخارجية العمانية والتي قدمت نموذجا ممتازا في إدارة العلاقات الدولية على مدى أكثر من نصف قرن.
إن الفرقاء في اليمن يمكنهم الجلوس بشكل مباشر ونحن هنا ندعو إلى حوار مباشر بين حكومة الرئيس هادي وجماعة أنصار الله «الحوثيين» في المكان الذي يختاروه لأن اليمن وهي وطنهم في خطر التمزق والتشتت والشعب اليمني الشقيق يعيش مأساة إنسانية كبيرة، واللوم في نهاية المطاف سوف يكون على المكون اليمني الذي لا يزال يراهن على الخيار العسكري، وهو خيار لن يحسم الحرب بعد كل هذه السنوات ومن هنا فإن المصلحة الوطنية اليمنية تفرض على الفرقاء اليمنيين الجلوس على طاولة الحوار، والوصول إلى حل سياسي ينقذ اليمن الجريح.
ومنذ عام 1981 وهو عام اندلاع الحرب العراقية-الإيرانية ومنطقة الخليج العربية تواجه الحروب والصراعات وهي تشهد الآن شرارات حرب اليمن من خلال التهديد الحقيقي والذي تعدى الجغرافيا اليمنية بحيث إن هناك خشية من تمدد الحرب إلى أبعد من ذلك وتتمدد أخطارها إلى مستوى أخطر.
وهنا ينبغي على قيادات المنطقة أن تعيد التفكير بمخاطر الحرب وتأثيرها المباشر على الأمن والاستقرار في المنطقة في ظل التصعيد والتصعيد المضاد بين الفرقاء اليمنيين وأيضا دول التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية، لو كان هناك حسم عسكري لحدث ربما في السنة الأولى للحرب ومع ذلك فإن دخول الأطراف الإقليمية بشكل مباشر أو غير مباشر وفي إطار المشروعات الاستراتيجية المتضادة أدخل الحرب في اليمن في ظروف معقدة وجعل تلك الحرب تواصل اشتعالها حتى الآن.
إن الحروب عادة لا تجلب سوى الدمار والحسرة والبؤس للشعوب وعدم الاستقرار وضياع المقدرات وهي بعشرات المليارات من الدولارات علاوة على البؤس والفقر والمرض الذي تجنيه الشعوب ولنا في أوضاع اللاجئين في سوريا نموذجا.. وعلى ضوء ذلك ليس هناك مجال لإبعاد المنطقة عن مزيد من التوتر إلا من خلال وقف الحرب في اليمن وإيجاد مقاربة سياسية والوصول إلى حلول تعيد لليمن أمنه واستقراره ووحدته الوطنية، وأن جميع الفرقاء اليمنيين هم شركاء في وطنهم اليمن الذي من خلال استقراره سوف يزدهر تنمويا واقتصادية ويساهم مع أشقائه العرب في التكامل الاقتصادي المنشود ليبقى اليمن دوما بتاريخه وحضارته وأصالته إضافة مهمة ومميزة للوطن العربي.
ومن مصلحة دول التحالف والفرقاء في اليمن خاصة أنصار الله «الحوثيين» وقف الحرب وليس هناك منتصر في هذه الحرب، بل إن الشعب اليمني هو الخاسر الأكبر، ومن هنا فإن بلادنا سلطنة عمان ومن خلال موقفها الأخلاقي والوطني والإنساني سوف تواصل جهودها ومساعيها المخلصة للمساعدة في إيجاد حل سياسي بالتنسيق مع المبعوث الأممي والأمريكي وأيضا مع الشقيقة المملكة العربية السعودية.
إن الحرب في اليمن هي مأساة حقيقية حلّت بالشعب اليمني الشقيق وهي كذلك مسؤولية تاريخية يتحملها كل الفرقاء اليمنيين ومن الضرورة بمكان وضع مصلحة اليمن فوق كل الاعتبارات لأن الوطن اليمني ووفق المشهد تلفه المخاطر من كل اتجاه وليس هناك إمكانية أن يتفرد طرف من الأطراف بالسلطة، فالمكون اليمني هو شريك من خلال الانتخابات النزيهة في المستقبل ويبقى الشعب اليمني هو صاحب الحق في اختيار ممثليه في مجلس النواب أو حتى على صعيد الانتخابات في المرحلة التي تلي الاتفاق السياسي ودخول اليمن مرحلة التعافي وانتهاء الحرب وبدون التوافق السياسي وتواصل الحرب فإن مصير اليمن الشقيق سوف يكون في خطر شديد وسوف يبقى مصيره مجهولا وهو أسوأ سيناريو يمكن توقعه لهذا البلد العربي الشقيق.