سواء كانت عسكرية أو تنموية أو ترفيهية، يجب على التحالف العربي الذي تقوده السعودية، ترجمة العملية التي أطلقها الأسبوع الماضي من شبوة تحت مسمى "حرية اليمن السعيد"، على أرض الواقع، وعدم الاكتفاء بمسميات فضفاضة، لا هدف منها سوى بيع الوهم لليمنيين.
لدى اليمن تجارب مُرّة مع أسماء العمليات العسكرية التي تطلقها جميع الأطراف، ويكون الهدف الرئيسي منها تخدير الناس، والتلاعب بمشاعرهم، في حرب نفسية تكون أشد وطأة من الحرب الحقيقية.
مثلاً، عملية "إعادة الأمل" التي أطلقها التحالف بعد أسابيع قليلة من اندلاع الحرب عام 2015، أعادت اليمن إلى ما قبل العصر الحجري. أمّا الأمل، فقد اختفى منذ ذلك الحين بشكل تام من قاموس اليمنيين، وإذا وُجد بصيص منه عند بعض المتفائلين بصلاح الحال، فهو من السوق السوداء، تم شراؤه مثل السلع المعدومة.
كذلك، عملية "ربيع النصر" التي أطلقها الحوثيون على هجماتهم العدوانية ضد مأرب، لم تكن سوى خريف للبشر الذين يتساقطون تباعاً منذ عامين من دون نتيجة؛ سواء من مقاتلي الجماعة الذين يُزج بهم في معركة خاسرة، أو من المدنيين والنازحين الذين تلاحقهم صواريخ المليشيا إلى الأسواق والمنازل والمخيمات العاجزة عن درء صقيع الشتاء.
من المبكر الحكم على العملية الأخيرة التي أطلقها التحالف، إلا أن اليمن الذي ظلّ يعاني وحيداً طيلة 7 سنوات، بحاجة لعمليات معقدة، تُنهي الانقلاب وتُنهي آثار الحرب.
حتى اللحظة، جميع المؤشرات تؤكد أن العنوان الأبرز هو خنق الحوثيين عسكرياً واقتصادياً ونفسياً، سواء من حيث الضغط العسكري والسياسي أو إغراق الجماعة في أزمات معيشية مثل أزمة الوقود وغيرها.
هذا العام، يبدو أن التحالف عازم على المضي في مقاربة مختلفة لإدارة المعركة، وقد دشّن هذا النهج بالفعل من خلال العملية العسكرية الخاطفة التي أسفرت عن طرد الحوثيين من مناطق غربي شبوة، وتوسيع رقعة الغارات الجوية، وتحريك عشرات الألوية العسكرية الخاملة من الساحل الغربي وصعدة وتعز، إلى خطوط التماس.
خلافاً لذلك، هناك تحوّلات ظاهرة للعيان خلال 2022. التحالف لا يعمل على إعادة تصحيح الحكومة اليمنية "الشرعية" وتوحيد صفوف المعسكر المناهض للحوثيين خلف هدف واحد، لكنه يرمم نفسه أيضاً بعد عام مخيّب للآمال.
حادثة الاستيلاء على سفينة شحن إماراتية في الثالث من الشهر الحالي، لم تكن عملية نوعية للحوثيين، بل أشبه بمأزق غير مسبوق للجماعة التي راحت تتغنى بإنجازها غير المسبوق، من دون أن تعرض صوراً لصيد ثمين من مدافع أو دبابات على متن السفينة المختطفة.
كوّنت العملية إجماعاً دولياً في مجلس الأمن ضد القرصنة الحوثية في سواحل البحر الأحمر، وجعلت الإمارات، التي كانت قد أعلنت مغادرة اليمن في أكتوبر/تشرين الأول 2019، تعود بقوة إلى جو المعركة من خلال إسناد ألوية العمالقة في معركة شبوة وحريب.
وما الإشادات المتواصلة التي يكيلها التحالف لـ"إمارات الفزعة"، كما وصفها قائد القوات المشتركة للتحالف، مطلق الأزيمع، السبت الماضي، إلا دليلاً على أن أبوظبي باتت تشارك الرياض في كل شيء؛ في التسليح والدعم المالي، وليس مجرد المشاركة بالعمليات الجوية.
من التحولات الفارقة أيضاً، نجاح التحالف نسبياً في تحييد التهديدات الحوثية العابرة للحدود عبر الطائرات المسّيرة، وذلك بعد استهداف مدروس لشبكات وأبراج اتصالات؛ بدءاً من مطار صنعاء وكافة مديريات محافظة عمران وصولاً إلى صعدة، التي كانت على ما يبدو ترشد خط سير "الدرونز" إلى العمق السعودي.
وعمليات كهذه، لم يكن يتم التنبه لها، لولا وجود دعم لوجيستي بارز من الولايات المتحدة.
ومن الواضح أن الاستراتيجية الجديدة ستجني ثمارها بشكل أسرع، خصوصاً أن التحركات كافة على الأرض تحظى بدعم سعودي لافت، بدءاً من وصول المتحدث باسم التحالف، تركي المالكي، إلى شبوة، وظهور قائد الدعم والإسناد للتحالف في الداخل اليمني، يوسف الشهراني، في جبهات القتال جنوبي مأرب، وانتهاءً بالاجتماع الأول من نوعه لقائد قوات التحالف المشتركة، مطلق الأزيمع، مع القيادات العسكرية الميدانية وقوات التحالف.
صحيح أن النهج الجديد أعاد الحوثيين خطوة إلى الوراء ومنح القوات الحكومية أفضلية هجومية، إلا أنّ معركة مأرب لن تكون خاطفة كما حصل في مديريات شبوة، وستحكهما التضاريس المعقدة.
* نقلا عن العربي الجديد