صادم ومفاجئ كان رحيله بالنسبة لي فقد عرفت الكاتب والأديب اليمني الأستاذ محمد ناجي أحمد في بواكير حياتي الأدبية والشعرية وجمعتنا أماكن ومحافل وأعمدة كثيرة في مدينة تعز.
شعرت بالأسى والحزن لأنني لم أحاول بشكل أكبر تذويب المسافات والاختلافات بيننا رغم أنه كان بإمكاني ذلك ، شعرت لوهلة عندما علمت بوفاته أنني فقدت ذكاء العلاقات ومد الأواصر وحس التواصل ، لكن أسبابا كثيرة وقفت خلف ذلك من بينها المسافة وليس من بينها الجفاء فكلما كنت ألقاه عندما كنت في صنعاء أو عبر الفيسبوك بعد الرحيل عنها كان طابع الإحترام يشكل هذه العلاقة وكنت أراقب باحترام تحولاته الفكرية والسياسية التي تنم عن شخصية جادة وحريصة على المستوى الوطني والفكري والسياسي عدا ما أراه مبالغة في تحميل كل سوء للإسلاميين في اليمن ونقد الفكر الإخواني بشكل قد يبدو غير منصف فتجربته في السجن التي كتب عنها جعلته يحمل الإسلاميين كل سوء وهذا ليس موضوعي بالتأكيد.
تواصل معي محمد رحمه الله خلال السنوات الماضية وكان حريصا أن يرسل كتاباته الأخيرة على الفيسبوك إلي ثم شهد العامان الماضيان انقطاعا قد أكون سببه أنا .
سألني في2019م هل مازلت تكتب الشعر وكنت خارجا للتو من مرحلة كتابة مجموعة (قمر يتبعني) ولم أكن قد قررت تماما أن أنشرها ولكنني كنت سعيدا جدا برأيه رحمه الله في المجموعة فقد كان له فضل تشجيعي على نشرها إذ تحمس مع المجموعة وحثني على نشرها بسرعة بعد عشر سنوات من التوقف عن النشر الشعري.
ذكرني ذلك بحواراتنا بداية التسعينات عندما بدأت الكتابة وكان محمد ناجي لامعا وخاصة في نقد شعراء التسعينات وكنت حينها منتميا لتلك المجموعة ومحمد كان حينها يكبرني سنا وفهما وتجربة.
لا أبالغ إن قلت إن قراءته المجموعة قبل نشرها عزز فكرة إصدار ها وأعطاني ذلك دفعة غير عادية فحمد ناجي قارئ وكاتب وناقد غير عادي .. جديته وربما حدته في التعامل مع النصوص والكتاب والوجوه تجعله الأفضل في التقييم والنقد والقراءة من بين كل النقاد اليمنيين فبينما شهد الحراك الثقافي والفكري اليمني انطفاء للعديد من الأسماء والوجوه استمر محمد رحمه الله شعلة لا تنطفئ.
في بداياتي تعرفت على محمد ناجي في صحيفة الجمهورية واتحاد الأدباء والكتاب بتعز وفي الاحتفالات الثقافية والشعرية خلال التسعينيات وكنا نلتقي على صفحات الثقافية نقدا وشعرا وكتابة أيام كانت الصحيفة التي كان يرأسها سمير اليوسفي هي الأكثر والأوسع انتشارا.
كان محمد رحمه الله يصنفني لاتجاه ما كعادة كتاب تلك الفترة من اليسار والقوميين لكنه برغم ذلك كان يفصل بين رأيه الفكري ورأيه الأدبي والشعري وفي مساجلاتنا الكثيرة ولقاءاتنا كنت أفاجأ بقراءته لآخر نصوصي ومتابعته لها ونقده لها بكل احترام مع رغم أنه لم يكن كذلك مع آخرين إذ كان معروفا بمزاجه الساخر اللاذع.
نقد الأبوية والإيديولوجيا كان منهج محمد رحمه الله وقد دفع ثمن ذلك في حياته الشخصية والسياسية وربما يكون قد دفعها في آخر أيام حياته عندما ذهب بشكل مباشر لمراجعة منهجه ورؤيته في نقد جماعة الحوثي وتقديم ما يشبه الإعتذار عن كتابات سابقة حول ثوريتها ووطنيتها، ولقد كان منصفا لنفسه ومنصفا لوطنه إذ فعل ذلك مخلدا نفسه ككاتب جريء عصامي وناقد ومؤلف وفي لمنهج النقد والشك في الأفكار والوجوه والسياسة وإن بدا ذلك للبعض حدية أو تجديفا أو مبالغة فهو عين الصواب في تتبع الحقيقة وتحولاتها.
نحن أمام وفاة ملتبسة لقامة ثقافية وفكرية وأدبية غير عادية لاشك أن التقليب في إرشيف محمد رحمه الله سيدلنا على كنز ثقافي حقيقي ستستفيد منه الأجيال اليمنية القادمة.
إنه بالنسبة لي رحيل مر لشخص طالما كنت لا أشك بصدقه وطالما كان يدهشني بحضوره ومثابرته على الكتابة والنقد متعاليا على الظروف والمخاوف والمجاملات التي يبرأ منها كل جميل.