سألتني ابنتي ونحن نستمع معا إلى أغنية (ياكحيل الرنا ) بصوت الفنان اليمني حسين محب سؤالا جميلا أستطيع أن أختتم به الكلام عن عام2021.
أعجبني أولا مدى تفاعلها مع الأغنية الصنعانية كلمات ولحنا ورغم ايقاعها السهل والجميل كعادة الفنان حسين محب إلا أن كلماتها صعبة لحدما .
قالت مستغربة وهي الآن على مشارف العشرين من عمرها كلما نكبر نحب هذا النوع من الفن ويعجبنا مع أننا نعيش في مكان آخر؟
فأجبت: أنه كلما نكبر تتكفل ذاكرتنا بإمدادنا بكل شيء رافقنا في الطفولة وحياتنا الأولى التي لم نكن نعيها فنعود لنحب ماكنا نؤكله مع آبائنا وأمهاتنا وماكنا نستمع إليه ونحن صغارا في الأعراس والمناسبات أو نشاهده على الشاشة ونكتشف بعد ضياع وقت طويل من حياتنا ذلك الطعم الجميل واللذيذ للقديم فبدلا من حبنا لوجبة (ماكدونالدز )نعود العصيد أو السلته وبدلامن أن نقع في غرام الفنانة (أديل) يغمرنا دفء صوت أيوب والحارثي ومحمد سعد عبدالله وأبو بكر سالم ،يأسرنا صوت العود وتتسلل إلينا معاني الكلمات فتسكرنا لشدة عذوبتها.
كانت جلسة خاطفة استمعنا فيها إلى أغاني صنعانية وتعزية وعدنية وحضرمية وقد أدهشتني أذنها الموسيقية وتفحصها للكلمات والمعاني والشاهد ليس هنا فقد كنت أخاف دائما أن يكبر أولادي بعيدا عن اليمن بسبب غربتنا .
اليمن الموسيقى والفلكلور والطعام والثقافة واللهجات وهذا التنوع الثري لبلد لاتنتهي ولن تنتهي عجائبه أثق أن سنة واحدة فقط كفيلة بترميم كل مافعلته الحرب حتى فيما يتعلق بأرواح البشر.
هل هذانوع من الحنين أو ما يعرف بالنوستالجيا وهو تذكر الماضي والمكان والزمان كتعويض بالنسبة لنا ولهذا الجيل الذي وجد نفسه مشردا في شتى بقاع الأرض بعيدا عن وطنه عن ذاته وعن مكانه وعن ثقافته فيكون الحنين إلى الماضي هو نوع من أنواع البحث عن الذات المفقودة والوطن الضائع المحاصر بأخبار الحرب والدمار والمأساة الإنسانية.
لن أتحدث عن الحرب الآن ،لكني لا أشك أن جيلا وجد نفسه خارج وطنه لا يسمع عنها إلا هذه الأخبار المؤلمة سيصاب بحالة الحنين إلى المكان والوطن والناس واللهجة والموسيقى وفيما البعض ينظر إلى حالة الحنين هذه كواحدة من الأمراض النفسية التي قد تصيب من اغتربوا عن أوطانهم أجدها فرصة للعودة للذات من جديد بل أجدها مرحلة من مراحل تعريف جيلنا والآخرين بالوطن الضائع ليس عبر الأخبار وإنما عبر هذه الكنوز الفريدة من الفن والفلكلور والتراث والشعر والمناطق والتنوع المكاني وتنوع اللهجات ليس فقط لنبحث عن ذواتنا كما يعنيه الحنين أو النوستالجيا ولكن لنقدم ذاتنا للآخر.
هو شيء لا يشبه الإجابة على سؤال من نحن بعد غربتنا وغربة أولادنا القسرية ولكنه إجابة على ما فاتنا سواء كنا في هجرة قسرية خارج الوطن أو في بيات داخله بعد سطوة السوشل ميديا وأدوات التثقيف التي لم تحصن الجميع من الشعور بالغربة .
سأحرص تماما في 2022 على أن أعود لذاتي وأن ألوذ بمفاخر وطني العظيمة ليس باعتباري منفيا وإنما باعتباري عاشقا لكل مايعنيه اليمن الوطن الحاضر وليس فردوسنا المفقود!!