بعد قبول الانتقالي باتفاق الرياض ، لم يعد مقبولا ذلك الدم الذي ينزف بصفة يومية ولم يعد مقبولا ذلك الانقسام غير الطبيعي في الشارع الواحد وداخل البيت الواحد ، كما لم يعد مقبولا إجبار العقل على إجازة مفتوحة لحساب لغة السلاح وسفك الدماء ، كما ليس مقبولا أن تظل العاصمة المؤقتة عدن تحيا هكذا على قلق وتوتر وارتباك ، دون أدنى أفق لمستقبل واضح ، أو لمعالم طريق تحمل بصيصا من الأمل ، وبالتالي لن يكون مقبولا استمرار الأداء الرسمي للشرعية بهذه الوتيرة التي تزيد من معاناة المواطنين ، وتزيد من آلامهم ويزداد منسوب الفقر وارتفاع الأسعار وتدهور الريال مقابل الدولار ، إضافة إلى غياب الأمن والاستقرار .
لابد أن نواجه الشرعية بالحقيقة التي لا جدال فيها ، مهما حاول الآخرون تظليلها ومهما حاول البعض القفز على الواقع ، لأن الواقع يحتم علينا الدخول في عمق المشكلات دون تردد ويحتم علينا مواجهة الأزمات دون انتظار ، فلم يعد هناك مبرر لقبول ما يقوم به الانتقالي في عدن وبقية المحافظات الجنوبية ، وهذا يستدعي من الشرعية أن تدعو التحالف إلى عقد قمة مصغرة عاجلة ، فلم يعد هناك مبرر لتأجيل المواجهة مع انفلات هذه المليشيات ، أو صمت التحالف الذي أوصل الوضع في اليمن إلى هذا المستوى من الفوضى .
المطلوب الآن وعلى وجه السرعة ، أن تتحمل الشرعية مسؤولياتها كاملة وتدعو إلى اجتماع عاجل مع التحالف وتحميله مسؤولية ما تقوم به هذه المليشيات من قمع للمواطنين الذين يعانون من الأزمات المعيشية والإنسانية ، وأن يتحمل التحالف مسؤوليته التي أعلن عنها والتزم بها أمام المجتمع الدولي والذي تمثل بالحفاظ على أمن وسلامة ووحدة الأراضي اليمنية ، وبوصفه المسؤول عن اتفاق الرياض .
أليست الشرعية والتحالف مسؤولين عن سفك الدم الحرام في عدن ، بعد أن أصبحنا نسمع عن القتل وكأنه حالة طبيعية في حياتنا ؟ أليس ذلك يحتم على الشرعية أن تقوم بدورها أمام مواطنيها الذين منحوها الشرعية وأن تتجاوز مربع الصمت المريب الذي فرضته على نفسها خلال الفترة الماضية ، مما جعل المليشيات تتجرأ عليها وتأخذ دورها .
يجب أن تكون حقوق المواطنين وحياتهم أولوية لدى الشرعية والتحالف ، فقد أظهرت المقاطع التي تم تصويرها ، كيف قامت مليشيا الانتقالي بضرب الشباب العدنيين الذين خرجوا إلى الشوارع في جميع أنحاء عدن للتظاهر تحت شعار ( نريد أن نعيش ) ، وقمعتهم بوحشية ، ولم تكتف بذلك ، بل ذهبت لتمارس دور الدولة في إعلان حالة الطوارئ ، ومنحت لنفسها سلطة استثنائية وذريعة لحرمان المواطنين من حقوقهم الأساسية مثل الحق في الحياة والحق في التعبير ، لتصفي حساباتها مع خصومها والتغطية على جرائمها في حق المواطنين من خلال التسويق لمؤامرة كبرى تستهدف الاستقرار .
صمت الشرعية والتحالف عن جرائم الانتقالي سيكبد اليمن والمنطقة أضرارا كبيرة ، لهذا مطلوب من الشرعية والتحالف التركيز على هزيمة المشروع الإيراني في اليمن ، وهذا لن يتأتى مالم توقف الإمارات دعمها للمليشيات الخارجة على الشرعية والغير مؤتمنة على الشعب اليمني والمشروع الوطني ، ومالم تتحول السعودية إلى وسيط حقيقي في اتفاق الرياض وليس شاهد زور .
وأقل ما يمكن فعله أن يبدأ النائب العام بفتح تحقيق في الاعتداءات بحق المواطنين في عدن وتقديم مقترفيها للعدالة ، وأن تتخذ وزارة الداخلية الإجراءات اللازمة التي من شأنها إيقاف تلك الانتهاكات وحماية الحريات العامة للمواطنين المكفولة دستوريا ووفق المعايير الدولية لحقوق الإنسان ، يجب أن تكون حقوق المواطنين وحياتهم أولوية لدى الشرعية والتحالف ، لأنها تشكل صمام أمان للمشروع الوطني .
حينما أفسح التحالف المجال لهذه المليشيات على حساب دور الشرعية انتشر الفقر وانعدم الأمن وانعدمت الكهرباء والمياه وسمح لها أن تمارس القمع والاعتقالات التعسفية وتمارس كل ذلك بدون عقاب ، وهذا لايعفي الأمم المتحدة من أن تلزم تحالف دعم الشرعية بالقيام بدوره المنصوص عليه في القرارات الدولية وتحديدا في القرار 2216 ، وإلا تصبح الأمم المتحدة شريكة في الجريمة وزعزعة الاستقرار في اليمن .
يجب أن يتوحد الجميع لمواجهة الحوثي الذي يتربص بنا ، وقتل من جنودنا وأطفالنا وآبائنا ودمر مستقبلنا وما فعلته مليشيا الانتقالي هو خطأ لا يغتفر ، وقد سجلته ذاكرة الصغار والكبار بحزن ومرارة شديدين ، لن تمحوها الاعتذارات ، فما بالنا بالدماء التي سفكت والأرواح التي أزهقت ، وهذا يستدعي من بعض قيادات الانتقالي الذين يمكن لهم أن يؤدوا دورا وطنيا ينفي عنهم اتهامات العمالة والتبعية إن هم أرادوا العودة إلى المجتمع اليمني .
وليس أمام الشرعية من خيار سوى أن تقدم على فعل شيئين ، هما :
عقد لقاء سريع مع المملكة العربية السعودية والإمارات ووضعهما أمام مسؤولياتهما الحقيقية ، وسرعة تشكيل حكومة جديدة ، مهمتها إنجاز تحرير اليمن من الحوثي ومن الفساد والفوضى ، وهذا يتطلب رجال على مستوى المرحلة وأخذ موقف حاسم من الداعمين للمليشيات الخارجة عن القانون والداعمين للفوضى .