كان انعقاد الدورة الرابعة للجمعية العمومية للمجلس الانتقالي حدثا مقصودا لإيصال رسائل سياسية بعد أن أوصل الانتقالي رسالته العسكرية بالسيطرة على المؤسسات الإعلامية كوكالة سبأ و14 أكتوبر ومقرات الوزارات السيادية كالخارجية والتربية والتعليم, هذه الرسائل السياسية التي أراد الانتقالي إيصالها عبر انعقاد برلمانه -المفترض-وقد كانت هذه الرسائل في الأغلب للداخل "المحلي" مع عدم إغفال الخارج "الدولي" والتي كانت مدفوعة من قوى إقليمية يعمل الإنتقالي وكيلا لها ويمكن تلخيصها في كلمة عيدروس:
1- رفع سقف التصريحات الاستفزازية والمطالبة بالانفصال في المرحلة الراهنة وهذا مقصود منه جني مكاسب تفاوضية بعد استبعاد الإمارات من مفاوضات مسقط عندما قال في خطابه: "المرحلة القادمة هي مرحلة الدولة "الانفصال" وتفعيل مؤسسات الدولة الجنوبية، لأننا في مرحلة الانتقال من الثورة إلى مرحلة الدولة وهي من أصعب المراحل في مسارات الشعوب التحررية"... هذه رسالة موجهة في المقام الأول للحكومة الشرعية التي كانت تنوي العودة الى عدن واتخاذها مقرا لها وفي المقام الثاني رسالة للسعودية الحليف الضامن لاتفاق الرياض أن البرلمان قد أتخذ قراره وللبرلمان الحق في نقض أي اتفاقيات مبرمة مع الخارج وهذا تملص قانوني.
2ـ رمي الكرة في ملعب الحكومة هروبا من تحمل مسؤلية تردي الخدمات وقطع الروابت في عدن عندما وصف الحكومة بالاحتلال الجديد وتحميلها كامل المسؤولية عن تردي الأوضاع بل اتهمها بممارسة عقاب جماعي ممنهج ضد شعب الجنوب حسب تعبيره عندما قال "محاولة إعادة إنتاج سيطرة ونفوذ قوى الاحتلال القديمة المتجددة" رغم أن الإنتقالي عضو في الحكومة ومع ذلك أراد أن يوصل رسالته أن الحكومة امتداد لقوى السيطرة والنفوذ التي استولت على عدن في 1994 وهذا يمهد لخروجهم من الحكومة في قابل الايام أو الأشهر القريبة.
3- تسويق المجلس الانتقالي كشريك استراتيجي لدول التحالف في محاربة الإرهاب عندما قال " شراكتنا الاستراتيجية الدائمة مع دول التحالف العربي بما يخدم أمن المنطقة " وذكر بالاسم السعودية والإمارات وركز تحديدا على محاربة الإرهاب والإرهاب مقصود به هنا حزب الإصلاح الذي يشارك في الحكومة الشرعية وهذه الرسالة موجهة للخارج الإقليمي والدولي على حد سواء حيث يدرك الانتقالي أهداف دول الإقليم في اليمن والتي صرح بها الضابط الإماراتي المزروعي عندما قال جئنا اليمن لمحاربة الحوثي والإصلاح وكان من بين الحضور ضباط سعوديين لم يعترضوا على تصريحه وبهذا يسّوق الانتقالي نفسه كمحارب للإسلام السياسي.
4- تقديم المجلس الانتقالي كممثل وحيد للجنوب عندما قال "أعلنا ذلك للمجتمع الدولي اننا ولا زلنا ندعم عملية سياسية شاملة وحقيقية تعكس واقع الأطراف على الأرض، وتبحث مسببات وجذور الأزمة، وفي طليعة ذلك ضـمان حضـور المجلس الانتقالي الجنوبي كممثل لقضـيـة شـعب الجنوب في كافة مراحل العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة" وهذا يدل على أن المرحلة القادمة في حال انفصل الجنوب ستكون دموية بامتياز.. لان الانتقالي لا يعترف بجنوبي آخر له رأي مستقل أو مشروع آخر مثل يمن اتحادي او انفصال حضرموت الخ, فالإقصاء سمة بارزة في خطاب عيدروس الزبيدي وهذا يعطي مؤشر خطير لما ستؤول إليه الأمور فيما لو تم الانفصال على يد الانتقالي.
5- استجرار الماضي لتأليب الرأي العام بالتلاعب بالألفاظ وتسمية الأشياء بغير اسمها حيث قال "معركتنا مع الإرهاب معركة وجودية منذ وطات جحافل الغزاة دعاة الإرهاب والتطرف والفكر الضال أرض الجنوب الطاهرة صيــف عام 1994م، بناء على فتاواهم التكفيرية التي أرادت أن تجعل من أرض الجنوب موطناً بديلاً للجماعات الإرهابية لكسـر إرادة شـعب الجنوب" والرسالة هنا موجهة للداخل الذي بدأ ينفضّ عن الإنتقالي بسبب استهلاكه شعارات وعجزه عن تقديم خدمات ملموسة في المناطق التي يسيطر عليها مما ضاعف من معاناة الناس وخروجهم في مظاهرات واحتجاجات في عدة مديريات في عدن ولحج وأبين, فكان استجرار الماضي والتلاعب بالألفاظ لدغدغة المشاعر واللعب على وتر الاحتلال الذي كان في حقيقته قمع تمرد عسكري انفصالي من قبل الجيش الوطني ولم يكن مطلبا شعبيا سلميا في حينها وهذا بحسب القانون القانون الدولي والعرف السائد في المنطقة.
وفي المجمل كان خطابا كارثيا وتعيسا لا ينم عن عقلية سياسية ولا براغماتية تقتضيها ضرورة المرحلة, وأكد عيدروس الزبيدي في هذا الخطاب على أنهم وكلاء لمشروع إقليمي لا ينبع من مصلحة وطنية ولا يرتكز على ثوابت ومبادئ الشعب الجنوبي الذي عاني كثيرا من شعارات حقبة حكم الحزب الاشتراكي قبل الوحدة ومازال يعاني من بيعه الوهم الشعاراتي من المجلس الانتقالي دون أن يلمس أي تحسن في حياته المعيشية فالشعارات لم تعد تنطلي علي الجنوبيين والوعي اليوم غير قبل ثلاين عاما.
*رئيس مركز الجنوب اليمني للدراسات