كانت ليان شمس أسرة، ضياء بلاد، ذكرى لسنوات عاش الكثير حولها، قُطفت فجأة من على أطراف الحياة، أُخذت من الغصن الذي ظل ينمو بعرق الوالدين، وسرقت بالنار، بالجحيم الذي أمتص حياتها، أفرغها من ملامحها الجميلة، وجرّدها من قمر استحال إلى فحم. هل هناك ماهو أبشع من هذا؟
أن تخمد الحياة بالجحيم، تتحول كل تفاصيلها إلى رماد متطاير في عيون السماء، تجد فجأة بأن الشجرة الوافرة المتدلية من جنّة عمرك؛ قد تحولت إلى ما يشبه التنّور القديم، أن تلاقي سنوات ربيعك محاطة بالنار ويتراقص حولها الكثير في حفلة شواء معدّة بإحكام، ومع هذا تجد على الأطراف الأخرى أناساً كثر يشاهدون بصمت كأن شيئاً لا يعينهم، وعندما تعنيهم في لحظات مؤقتة، يطلبون منك النسيان، وهل تنسى الحياةُ روائحاً كهذه، هل تحذف الذاكرة من صلبها هذا الإنكماش الذي أوغلت في ردمه نيران خبيثة، وهل يقدر الغربال الحيواني أن يمحو ضياءاً طل يوماً من وجه ليان؛ فأحرقته النيران اللعينة.
لا يمكن أبداً، لكن ما يؤرقني أيضاً ، هي تلك التفعيلات التي تذهب بصاحبها إلى الهروب من الوقوف خلف القضايا الكبيرة، التنديد الصريح والواضح بكل انتهاك بحق الإنسان المقهور بمختلف الوسائل والأدوات، لقد خلقت فينا الحرب وبكل أسف أنواعاً كثيرة من الكيف الذي يفرض نفسه علينا في لحظات لا تتطلب منك إلا أن تكون إنساناً فقط؛ فليان الطفلة التي لم تجد الفرصة للهروب أو مقاومة ألسنة النار التي ظلّت تجذبها إلى أن التهمتها، لن تكون في قاموس الكثير منّا نحن الكتّاب على وجه الخصوص، إلا رقماً تستدعيه تارة العداوت الشخصية المتربصة دائماً وتارة أخرى التقافزات الحزبية التافهة، ولن تؤثر الدواعي الإنسانية النبيلة بالكثير إلا كدفعٍ مسبق جاهز للزمان والمكان المناسبين، وهذه أشكالية بشعة، إذ ليس من اللائق أن تكون إنساناً وتجد قطعة من البشرية تحترق أمامك دون أن تحرك ساكناً؛ فكيف عندما تكون الضحية طفلة تشبه أطفالك، لأبٍ يشبهك، وأم تشبه زوجتك، أمك..