عقد على فبراير اليمني.. لو قدر لي أن أعود لعدت!
الاربعاء, 10 فبراير, 2021 - 09:29 مساءً

دعوني أحاول شرح قصتي مع الثورة كما كانت تدور بيني وبين نفسي وقد كان المشاهدون أومن حولي من الصحفيين أو حتى في مركز القناة الرئيسي يصيغونها في سؤال ويلقونه في وجهي. لم أكن في يوم من الأيام أشعر بالخجل او الإرتباك مما قمت به فشكل التغطية ونوعها لم أحدده أنا لقد كانت الظروف المحيطة المكان والزمان والحدث هي ما حددت شكل تغطيتنا لأحداث الثورات وأنا ليس لي الحق في أن أمثل الجزيرة كقناة أوأن أقول إنها كانت قناة الثورات أم لم تكن كذلك لكن من حقي أن أشرح الحالة التي كنت عليها في ذلك الوقت والتي كانت عليها شعوب المنطقة وهي تسمع ذلك الرجل التونسي الستيني وهو يضع يده رأسه وعلى شعره قائلا : (هرمنا من أجل هذه اللحظة التاريخية) لقد كنت من بين الملايين التي هرمت في انتظار تلك اللحظة التاريخية . ولذلك كان الإنخراط في اللحظة على قدر انتظارها كل واحد من الأرض التي يقف عليها والأدوات التي يمتلكها. ولو وضعتموني اليوم أمام اختبار مهني حول أدائي في ذلك الوقت لربما استنتجتم بأنني وزملائي الذين عملوا في تلك الفترة كنا مثالا للصحفيين الذين التزموا نقل الوقائع في أخطر اللحظات وفي أخطر اللحظات قد يطيش سهم الفكرة منك فتعبر عن رأي هنا أوعن رأي هناك لكن لا أحد يستطيع أن يقول أننا في تلك الفترة لم نمنح الجمهور مساحات إضافية للمعلومات الصحيحة والدقيقة فمكناه من التعبير عن رأيه بكل حرية. لقد تألق أيضا زملائي المراسلين في القناة وهم يتحدون تلك المخاطر ففي ذلك العام لمع نجم عبدالعظيم محمد وهو يغطي أحداث ليبيا ولازلت أتذكر صورته وهو يغطي من أمام منزل القذافي والرصاص بكل أنواعه ينهمر من حوله وغيره من المراسلين كعبد الفتاح فايد ولطفي حجي وحمدي البكاري وغيرهم. سؤال المهنية لم يطرح على كبريات المؤسسات الإعلامية كالسي إن إن والبي بي سي وغيرها التي ظلت خلال الأيام الأولى للثورات تفتح مساحات كبيرة في شاشاتها لحدث مبهر وخطير والأول من نوعه في الشرق الأوسط بل إنها كانت تسبق القنوات العربية بمراسليها إلى ميادين الثورات والمظاهرات وتغطي بشجاعة ومغامرة وجرأة تلك الأحداث. ولا مجال هنا لشرح المهنية ولا الفرق بين الخبر والتقرير والبث المباشر والبرامج فهذا معروف والمهنية تقتضي أن ننقل الوقائع كما كانت عليه ومهنية القناة تقتضي أن تمنح الفرصة لجميع الأطراف للتعبير عن رأيها وقد كانت قناتنا تفعل ذلك وأكثر فهي فقط لا تكتفي بنقل الآراء العادية بل إنها تتيح الفرصة لرجل كعبده الجندي ناطق الحزب الحاكم في تلك الفترة لنقدها ونقد مراسليها كل يوم دون كلل بل وكان يمطرنا بسخرياته ودعاباته متى شاء على شاشة قناتنا. لم تكن المشكلة مهنيتنا لقد كانت المشكلة أن السلطة أية سلطة تريد أن تحتكر هذا المنبر الإعلامي بمن فيه أو تسكته وهكذا فعلت كل السلطات لكن نظام صالح العميق وعقل صالح العميق أيضا كان أكثر قدرة على المناورة فهو لم يكن مثل القذافي ولا بشار الأسد لكنه ظل يناور بين مساحة السلم والعنف واستفاد من أخطاء الجميع قبل أن تأتي حادثة جامع النهدين التي نتج عنها محاولة اغتياله في بداية يونيو 2011م لتضعفه وتشل تفكيره فكانت مع استمرار المظاهرات وتخلي جزء من نظامه عنه السبب في انسداد كل الأفق أمامه وأدت مع الضغط عليه لتوقيع المبادرة الخليجية في نوفمبر2011م بالرياض كنت صحفيا وفقط لكن الحالة التي كانت عليها الأوضاع من حولي حالة ثورة فأنا مطارد وعائلتي وأطفالي الأربعة واضطرت لترحيلهم إلى الدوحة بسبب التهديدات والقناة التي اعمل فيها ممنوعة من مزاولة العمل ومصنفة كجهة معادية وحيزي في تلك الفترة كان غرفة صغيرة في الطابق الثاني من عمارة بساحة التغيير بصنعاء وكنت مطلوبا للمحاكمة ومصادر مني جوازي لعامين كاملين وتعرض القنوات الرسمية صورتي مع أغنية في اليوم عشرات المرات كخائن باع بلاده وخلفي يركض مخبرون ورجال أمن داخل الساحة وخارجها وظللت شهرين على الأقل لا أخرج من تلك العمارة التي كنت فيها ومن حولي هدير الثورة وخيام الثوار وأصوات إطلاق الرصاص على المتظاهرين وسيارات الإسعاف وهي تنقل القتلى والمصابين ودماء المستشفى الميداني . إنها حالة ثورة فكيف يمكن أن تتجاهل كل ذلك أيها الصحفي. لقد أصبح نجاح الثورة قصة شخصية لكثيرين فالنظام الذي اتصل برئيس مصلحة الجوازت والتقيته بعد الثورة وقال لي لقد طلبوا منا التحفظ على جوازك وإلغاء جنسيتك نظام بالتأكيد لا يستحق البقاء. مع ذلك فقد ظلت القناة تحرص على تذكيرنا بقيمنا المهنية على الدوام، وبعيدا عن كل ذلك فإن الأسئلة الصحيحة هي: هل كان هناك احتجاج ضد النظام لمدة عام كامل وأكثر يطالب بإسقاطه؟ هل كان النظام يقتل المتظاهرين كل يوم؟ هل تساقط كبار رجال صالح من حوله؟ هل انشق أهم رجال وفصائل الجيش اليمني؟ هل أصبح النظام وحيدا وبدون مساندين؟ كل الإجابات ستكون نعم فلماذا لا أغطي ولماذا لا أمنح نفسي مكانا بين الصحافة العالمية ولماذا لا أمنح الجمهور الحق في أن يشاهد ما أعرفه أنا. هذا هو الإلتزام الحقيقي الذي على الصحفي أن يقوم به تجاه مهنته وفقط. وسيكون من الغباء أن يتنازل أي صحفي أو وسيلة إعلامية عن فرصة كهذه تحت أي مبرر . هذا ليس تبريرا لما قيل حينها أنه خروج عن المهنية ولا دفعا للإتهامات لكنه محاولة للإجابة على بعض الأسئلة عن انخراطي في الثورة وابتعادي عن الصحافة. وأعتقد أنه لو عادت الحالة من جديد وهي لن تعود بالطبع ولا حتى حالة تشبهها لغطيت من نفس الزاوية وحرصت على الدفاع عن حق المشاهدين في معرفة المعلومة التي تريد أية سلطة في هذا العالم حرمانهم منها. لقد كانت الجزيرة في اليمن في تلك الفترة قناة عزلاء وكنا صحفيين عزل في مواجهة أدوات دولة كاملة وتحريض جعل قطاعا من الشعب ينظر إلينا كأعداء ومرتزقة وعملاء للخارج. وسأسأل نفسي الآن هل كنت متحمسا للثورة ضد نظام علي عبدالله صالح الجواب :نعم مثلي مثل أي مواطن عربي عاش فترة الثورات واكتوى بنيران الاستبداد والفساد والبطالة والفقر. إن ثورات الربيع العربي أوقدت في الضمائر حب الوطن والبطولة الشخصية فكان كل واحد مرآة بطولته وخروجه على مخاوفه وفي ذلك الوقت شاهدنا ألوانا وأنواعا من البطولة وإيثار الوطن ، لقد كانت لحظات صدق حقيقية لصناعة الأسطورة الشخصية للفرد العربي المتمرد الرافض المتماهي مع هدير الشعب وصوت الحرية. هناك خيط رفيع دائما قد يفصل بين النظر إلى الأشياء ونقيضها لكن في الثورة والصحافة هناك خيط رفيع قديجمع بينهما فبينما تعد الثورة سلوكا سلميا أوعنيف الرفض الاستبداد والخروج على الحاكم فإن تعريف الصحافة الحرة هي إقلاق السلطات وإفزاع المستبدين والصحافة المتصالحة مع السلطات هي صحافة البلاط والقصور الحاكمة، وهكذا كان تعريف الصحافة الحرة في كل زمان ومكان في الغرب أوفي الشرق . هل اختلط الأمر علي في ذلك الوقت بسبب كل هذا فأصبحت لا أفرق بين كوني صحفيا أو ثائرا ،لا أعتقد ذلك فقد أعطيت الشاشة حقها وعملت على صون مهنيتي من الإنحراف لكني لم أجد مناصا من خوض تجربة الثورة بكل تفاصيلها صحفيا وكاتبا وشاعرا ومؤمنا بحق الناس في الثورة وحقهم في النضال ضد المستبدين للأبد.

التعليقات