بغض النظر عن المصير الذي آلت اليه ثورة 11 فبراير والمآلات المأساوية التي شهدتها اليمن جراء تحطم موجاتها الأولى على جدار تحالف القوى المضادة المحلية والعربية والإقليمية والدولية، ودخول شريكي الانقلاب، جماعة الحوثي وشريكه السابق نظام المخلوع صالح، في حرب علنية ضد الشعب اليمني وإرادته منذ انقلابها المشؤوم قبل ستة أعوام، فقد تمكنت الثورة من ادخال اليمن في حقبة تاريخية اطاحت من خلاله، بشكل غير كلي، بنظام الاستبداد القديم ونمط العلاقات الذي كان يميزه على جميع المستويات وادخلته في مسار التفكك والانحلال، ولن يكون من الممكن إعادة بعثة احيائه من جديد.
فلم تكن ثورة 11 فبراير منهجا للتغير وقلب الطاولة على النخبة الحاكمة والسياسية اليمنية باكملها فحسب، وإنما كانت مصهرا يمتزج فيه ويخلق شعب يمني جديد، اي شعب موحد وقوة مستقلة وفاعلة على الأرض وصانعة للحدث. حيث احدثت انقلابا كاملا في المفاهيم وقواعد السلوك في جميع العلاقات الاجتماعية والعلاقة بين الشعب والدولة وبين الشعب والنخبة وبين الذات والاخر/ العالم. فهناك احتفاء متجدد وملتهب بالوطن، وانبثاق أو استعادة روح المواطنة، وانحسار واضح لمشاعر الإحباط والتشاؤم. كما ان هناك عودة قوية الى التمسك بالهوية الوطنية والكفاح ضد الوصاية والتبعية. وهناك إعادة اكتشاف للذات وللتاريخ والثقافة والفن والادب، وانخراط حماسي في السياسة وفي معركة استعادة الجمهورية.
وبعكس ما تشيعه ادبيات الثورة المضادة لم يؤدي اجهاض الثورة وحرب الإبادة التي شنتها المليشيات الإنقلابية ايا من المشكلات التي الهمت الثورة، لكنها فاقمتها اكثر، وما يشهده اليمن من خراب وفوضى لا يشكل إدانة لثورة فبراير، فالمشكلات العديدة والمعقدة التي تواجه المجتمع اليمني بما فيها المشكلات الجديدة التي انتجتها حروب الردة الحوثية، تشكل إدانة لاساليب الحكم والإدارة المافوية التي ثار ضدها الشعب اليمني في فبراير 2011. وما سقط خلال المواجهة الدموية التي مازالت مستمرة ليس ثورة فبراير ومثالها ومبدأها، وإنما حكم العصابة التي استعمرت الدولة وقوضت مفهومها وقانونها واجهزت عليه.
يعني هذا اننا امام حقبة جديدة ليست ثورة 11 فبراير سوى الرشقة الأولى منها. وما نحتاج إليه لإدارة هذه الحقبة التاريخية، التي يبدُ انها سوف تستمر معنا، واستعادة الجمهورية من براثن المليشيات، وسيطرة اليمنيين على قرارهم وتحكمهم ببلادهم، وإقامة دولة يمنية حرة ذات سيادة تعكس حرية مواطنيها وسيادهم، وتكرسهما وتضمنهما. يستدعي إعادة توجيه الجهد الفكري والسياسي والعسكري والتحضيري للعمل على بناء اليمنيين لأنفسهم وبناء قواهم الذاتية، وعدم اضاعته في التحالفات الوهمية، والركض وراء سراب الرهان على القوى الخارجية التي من الواضح اصبحت مركز العمل الرسمي ضد قيام دولة يمنية موحدة ومستقرة.