المنصة.. الأحزاب .. وتوكل
الاربعاء, 06 مايو, 2020 - 09:31 مساءً

ما إن تتوقف عن الكتابة يوما واحدا حتى يراودك شعور بأنك قد لا تكتب مرة أخرى فالكتابة المستمرة تمنحك روح نهر متدفق ومثلما بدأت كتابة هذه الخواطر دون تخطيط سأحاول هذه المرة أن أواصل التذكر بتخطيط من حيث وقفت.
 
لازلت أتذكر تلك المساءات الضاجة بالثورة في ساحة التغيير بصنعاء ، حيث الحلم والحياة والشباب ، وحيث ثورة الجميع نساء ورجالا وأطفالا.
 
وما يذهلك حقا تلك الروح الجماعية العامرة بالألفة والمحبة والإنضباط والقيم في بدايات ثورة فبراير2011، أو لنقل الأشهر الأولى منها قبل أن تصبح ساحة معركة بين الأحزاب والمكونات والمندسين من رجال صالح وبين الثوار أنفسهم.
 
كنت أخرج في منتصف الليل إلى الساحة فأرى الشباب يلعبون ألعابهم المختلفه وأرى الباعة الجائلين في تلك الساعة المتأخرة من الليل وكم أنست إلى تلك الروح وأحببتها وحين أتذكرها الآن أشعر بكثير من الحنين لكن الأيام لاتعود وإن عادت فليس بالأفضل بل بأسوأ مافيها.
 
لا أنسى من بين وجوه الساحة نذير القدسي وكان مدير التغذية بالساحة والمسؤول عن عن إطعام المعتصمين في الساحات في الوجبات الثلاث أمانحن فكنا نحصل طوال إقامتنا مع طاقمي في الساحة من المطاعم القريبة من الساحة وكانت كثيرة.
 
شكلنا طاقما تلفزيونيا شابا وجميلا مع الزميل سمير النمري وكان الجميع من الشباب المتعاونين بينهم كمال الهتاري وصلاح الهتاري ويوسف القارة ومعتصم الهتاري وإبراهيم الحيدم والتحق بنا في تلك الفترة جمال النمري رحمه الله الذي أنجزت فيما بعد معه وثائقي عن الثورة بعنوان حناجر لاخناجر.
 
أعتبرالعام إلا قليلا الذي قضيته في الساحة بعمر كامل وأحيانا تختلط نوبة بكاء بنوبة فرح مع نوبات اشتياق لتلك الروح العامرة باليقين للساحة وأصدقائي فيها ولهتاف ارحل واعتصام اعتصام حتى يسقط النظام.
 
وقد اختلفت معهم حول أسلوب إدارتي للتغطية في ذلك الوقت لكنا اتفقنا كثيرا وبكينا وضحكنا وأبدعنا ولازالت الذكريات تلم شعث الأيام.
 
هناك قضينا الساعات حتى الفجر مع جمال أنعم وصبري وفضل أنعم وعبدالمطلب وعبدالله القطيبي ومحمد الحكيمي ولاحقا وسيم القرشي وأكرم السقاف وأصدقاء كثر لا أستطيع تذكرهم الآن.
 
لاحقا بدأت الكيانات تتشكل وخاصة الكيانات الحزبية فكان للقاء المشترك اللجنة التنظيمية ضمت في عضويتها جميع الأحزاب بمن فيهم علي العماد القيادي الحوثي الذي كان يدير جماعة الحوثيين في الساحة واعتقد كان اسمها الصمود وكان ضمن اللجنة توكل كرمان وخالد الآنسي واعتقد انهما انسحبا فيما بعد من هذه اللجنة بسبب هيمنة أحزاب المشترك وخاصة الإصلاح عليها.
 
سيطر حزب الإصلاح على الساحة تماما فهو الأكثر حشودا والأقدر على التنظيم والأقوى في الإمكانيات والتضحية أيضا.
 
وبحجة عدم اختراقها من قبل الأمن الذي كان متواجدا في الساحة كثوار شكل حراسة على منصة الساحة وكون إدارة لها لا يستطيع أحد الصعود على المنصة أو إلقاء بيان إلا بعد موافقتها.
 
وفي مرحلة من المراحل كان الحوار بين السلطة والأحزاب يدور حول المبادرة الخليجية وكان إيقاع الساحة يخفت وتتوقف المظاهرات بأمر من خارج الساحة فإذا توقف الحوار بين الطرفين أو وصل إلى طريق مسدود عادت المظاهرات إلى أوجها.
 
في جهة قريبة من المنصة كانت توكل كرمان تنصب خيمتها وأتذكر أنها حاولت الحصول على شقة من العمارات التي في الساحة لتستأجرها فلم تتمكن فقد كانت علاقتها سيئة جدا بالجهة المنظمة للساحة التي تتبع حزب الإصلاح وهم مجموعة قيادات من فرع أمانة العاصمة للحزب بعضهم على قدر من التشدد والبعض الآخر يسيطر عليهم الخوف وسوء الفهم.
 
بالرغم من ذلك فلم يكن لنا جميعا من مكان آمن سوى ساحة التغيير فالخروج منها بالنسبة لنا جميعا كان بمثابة الموت.
 
كنت أراقب ما يجري فأشعر بالألم ومع أني كنت من المؤمنين بأنه يجب أن يكون للثورة حامل سياسي وحامل ثوري وأن المبادرة الخليجية لو تم استغلالها من قبل الإحزاب لنجحت بشكل أفضل إلا أنني وقعت في رهاب منظمي الساحة الذين حاولوا ضبط ايقاعها وإيقاعنا جميعا.
 
كانت الحملات شرسة في ذلك الوقت على كل من يخرج على نظام الساحة الصارم الذي أعده الإصلاحيون بإتقان وإحكام وكنت أحاول من جهتي أن أتجاهل كل الإنتقادات التي تأتيني فتنوعت شاشة الجزيرة بكل الأصوات إصلاحيون وناصريون واشتراكيون وشباب وحتى القريبون من الحوثي كعلي العماد وغيره ولم يكن في ذلك الوقت من صوت لثوار اليمن سوى شاشة الجزيرة وكذلك كان صوت النظام موجودا بالتساوي.
 
كل هذا كان طبيعيا سوى شيء واحد وهو سيل الإنتقاد الذي يصلني من جهات كثيرة عندما تظهر توكل كرمان على الجزيرة واتذكر أنني خلال الأشهر الأولى للثورة تجنبت توكل ليس بسبب التحذيرات الكثيرة منها ولكن لإتاحة الفرصة لجميع الأصوات للظهور وحتى لا يحتكره اسم واحد، لكن الساحة أصبحت في وقت من الأوقات مجرد صدى للأحزاب ولاتفاقاتها وخلافاتها وهنا بدأت أزور توكل في خيمتها وأتعرف على رفيقاتها وعلى رفقائها وأغطي فعالياتها ومن بينها مظاهرة مجلس الوزراء 11 مايو2011م التي قتل فيها عشرات المتظاهرين وأصيب المئات وكانت هي تقود المظاهرات بنفسها ونجت حينها من الموت.
 

التعليقات