الساحة والزنداني والسفير!
الإثنين, 27 أبريل, 2020 - 10:42 مساءً

يبدوأن أصعب مرحلة في التذكر هي مرحلة بدايات ثورة فبراير2011م وتخلقها لأنها مرحلة فصال بين النظام ومكوناته بين مرحلة ومرحلة ولاشك أن الناس كانوا متدبذبين خائفين وكل منهم يريد أن يحدد بالضبط إلى أين يقفز ومتى يقفز.


فالنظام ضائع تائه بعد أن رأى بأم عينية نظامان يسقطان في تونس ومصر تحت وقع ضربات المظاهرات الشعبيه والإعلام العالمي مسلط كله على الظاهرة الشعبية الجديدة في الشرق الأوسط.


كانت صنعاء على موعد مع ضحية جديدة لنظام صالح في صنعاء بعد سقوط ضحية في تعز في الثامن عشر من فبراير في الساحة التي أطلق عليها آنذاك ساحة الحرية وكان اسمه مازن البذيحي أما في صنعاء فقد سقط في 22 فبراير عوض السريحي على يد مسلحين تابعين للنظام داهموا ساحة التغيير وأطلقوا الرصاص عليها ، عندها ولأول مرة فتحت الجزيرة تغطية موسعه وحينها كان الزميل سمير النمري مصورمكتب الجزيرة بصنعاء آنذاك قد دخل ساحة التغيير ولازالت ترن في أذني كلمات جمال أنعم على الهواء وهو يقول على الهواءإنهم يذبحوننا .


مثل طفل صغير يكبر كانت ساحة التغيير بصنعاء تكبر وتمتد والخيام تنصب في كل مكان والروح تدب في أنحائها ولم يكن حينها موقف الأحزاب مما يحدث واضحا لكن أعضاء الأحزاب جميعها انخرطوا في المظاهرات .


لم أزر ساحة التغيير بصنعاء بين شهر فبراير حتى الثامن عشر من مارس سوى مرتين لإعداد تقرير ولم نكن نصلها إلا بشق الإنفس خوفا من الإعتداء علينا.
في أول مساء جميل في أواخر فبراير دخلتها فإذا بها خلية نحل وقدافترش المئات ساحة النصب التذكاري لجامعة صنعاء يصلون المغرب ومن هناك من أمام الساحة أعددت أول تقاريري ولازالت اذكر أن العزيز فاروق الشعراني التقط لي صورة أحتفظ بها حتى الآن ،بعد ذلك لم أدخل الساحة إلا عقب جمعة الكرامة في الثامن عشر من مارس2011م.


استمر النظام بالإعتداء على الساحة لمحاولة تفريقها حتى جاء يوم الثالث عشر من مارس حيث اعتدت قوات امن ومدنيين يتبعون النظام على الساحة فقتل ستة من المعتصمين وجرح العشرات وكانت القوات تطلق غازامسيلا للدموع يختنق به المئات.


من فوائد العنف الوحيدة في تلك الفترة أنه بعث الحياة في قلوب الآلاف من محبي التغيير والمتطلعين إليه وكذلك أنه كشف الوجه القبيح لنظام صالح الذي راح يتفنن يوما بعد يوم في القمع ومع كل منسوب عنف مرتفع كانت الأعداد تتزايد في الساحة وكان القبائل ينضمون إليها بهدف حمايتها كما كانوا يعلنون.


أما الموقف الذي لم أحبه في ذلك الوقت مع أنه جذب كثيرين فهو صعود عبدالمجيدالزنداني على منصة الساحة يؤيد المعتصمين ويعلن تأييده لمطالبهم لقد كان ذلك رسالة سيئة لدول الغرب وخاصة أمريكا التي تصنف الزنداني على أنه معلم الإرهابيين وبالتالي فحضوره في هذا الوقت حمل دلالة مسيئة لاتجاهات المتظاهرين بعد فشل وساطته وعلماء اليمن آنذاك بين المعارضة وعلي صالح.


لقدكانت السفارة الإمريكية تراقب بدقة شديدة مايجري في اليمن وكان سفيرها في اليمن جيرالد فيرستاين وهو رجل عجوز حاد الملامح ذو نضرة حادة وساخرة عمل في عدة دول عربية قبل أن ينتقل في سبتمبر 2010م ليعمل سفيرا في اليمن.


كان الرجل شديد الحماس لنظام صالح وابنه أحمد وكان لا يحب قناة الجزيرة ولا ماتنقله عن مظاهرات اليمن ومرة نقل لي أحد مترجميه قوله عني أنني مجرد بوق.


التقيته مرة في عشاء عام 2010 بصنعاء ومرة في رئاسة الوزراءخلال نهاية عمله في 2012م حينها كان باسندوة رئيسا للوزراء ورأيت الرجل خارجا من اجتماع مع باسندوه وهو ينظر إلي بطريقة عجيبة لازلت أتذكرها حتى الآن .


سألته عن وضع علي عبدالله صالح حينها فأجابني بضحكة عالية قائلا إن الحديث عن إبقاء صالح تحت الإقامة الجبريه هو مجرد أحلام يمكن أن تراها في النوم فقط.


فيرستاين يعمل حاليافي أحد المراكزالمعنية بشؤون الخليج في واشنطن ويطلق تصريحات تحمل أحيانا صالح وعائلته أسباب مايحدث اليوم في اليمن ويغرد في تويتر بشكل شبه يومي عن اليمن ويقبل الظهور على الجزيرة كخبير في شؤون الملف اليمني.


في بدايات المظاهرات اتصلت بالملحق السياسي للسفارة عبر مترجمها الذي اتحفظ عن ذكر إسمه وقلت له ترجم السؤال التالي ماموقف السفارة حاليا مما يجري من انتهاكات ضد المتظاهرين .


أجاب قائلا: إن السفارة ترى أنه لابد من الإستجابة لمطالب المتظاهرين وإن موقف أمريكا من دعم حرية التظاهر واضح.


كان هذا هو معنى ماقاله الملحق الم تخني ذاكرتي وقلت للمترجم أعد عليه ماكتبته وأخبره هل هوموافق عليه فقال نعم.


نشرت الخبر عاجلا على شاشة القناة وبعد فترة اتصل المترجم يقول بأن الملحق السياسي بالسفارة يتهمني بالكذب وأعطاه سماعة الهاتف ليسمعني بعض الإنتقادات بلكنة عربية غير مفهومة.

التعليقات