تحولات الشاعر.. صنعاء (2)
الثلاثاء, 14 أبريل, 2020 - 11:26 صباحاً

قبل أن تأخذني الذاكرة لرحلتي نحو صنعاء لتبدأ قطيعة روحية مع تعز رغم أنها المكان الأول والبيت الأول والحب الأول والقصيدة الأولى والطفل الأول والحلم الأول والفشل الأول والنجاح الأول .
 
ذلك لأنني شعرت أن تعز بدأت تأكل أبنائها في تلك المرحلة فمن ناحية ضعفت كل مقومات الحياة فيها سياسية وثقافية واجتماعية وبدت طاردة لكل جميل أتحدث عن الفترة 2000و99فانقطعت أسباب بقائي بها.
 
لكأن المدن الحالمة تستحيل أرقا وكوابيس للحالمين إذتعلن القطيعة معك مرة واحدة دون استئذان.
 
قبل أن أغادر تعز أسست صحيفة أدبية ورقية اسميتها (أصوات مبدعة ) أصدرت ثلاثة أعداد منها فقط وبدأت توزيعها في عموم الجمهورية.
 
وكنت آمل حينها أن أبدأ رحلة جديدة في عمل صحفي أدبي خاص وحصلت حينها على إعلانات من بعض الشركات التجارية بينها مجموعة هائل وشركات الشيباني وبدأت فعلا استكتاب بعض الشعراء والكتاب ولم استكمل التجربة فيما بعد ولا مجال لذكر الأسباب هنا.
 
إلى صنعاء غادرت عام 2001م محملا بأحلامي وبعض الهواجس ووعود الأصدقاء التي تبين فيما بعدأنها مجرد وعود.
 
هناك التقيت أصدقائي مثل جمال أنعم وفضل أنعم ومحمود ياسين وسعيد ثابت ونصر طه مصطفى وحميد شحرة رحمه الله ونبيل الصوفي .
 
ولاحقا غمدان اليوسفي وحافظ البكاري ونبيل الأسيدي ومراد هاشم وخالد المهدي وغيرهم من الأسماء.
 
كان الصديق جمال أنعم وهو شاعر ومثقف وأديب جميل وناقد لاذع للطارئين على الأدب وروحا محبة للحياة من أكبر المؤمنين بموهبتي الشعرية.
 
وكان يردد على مسامعي قصيدتي:
 
سبوح قدوس
قلبي طار نحو علاك
ياحي اسقنا معناك
واسكب من سحاب الذكر
ماينفي فؤادي من جفاف الأرض
كي أرقى إلى خصب السماء.
 
كتب جمال مرة قراءة في مجلة نوافذ عنوانها ( أحمد الشلفي شاعر تتقدمه موهبته ) قبل أن نتعرف إلى بعضنا وظل يذكي في قلبي حب الشعر.
 
وجمال من المثقفين النادرين إذ أن حسه النقدي وثرائه وتجربته الثقافية منحته قدرة على تفحص الشعر والتجارب ولكم عصف بمدعين للشعر والكتابة وأنصف موهوبين حقيقيين.
 
كنا رفقة مع محمود ياسين الكاتب والروائي وكنا مجموعة واحدة ضمن الأسماء التي ذكرتها نلتقي في المقيل وفي صحيفة الصحوة ومجلة نوافذ وغيرها.
 
كانت مرحلة صنعاء صعبة اقتصاديا ورغم أنني خرجت من تعز محملا بتجربة الشعر وعملي في مجموعة هائل وانخرطت في أعمال صحفية بسرعه إلا أن العمل في الصحافة هو من أقل الأعمال أجورا في اليمن فهو أماأن يحيلك إلى معدم أو مرتزق تدبج المقالات والحوارات وتقبض فلوسامن أصحابها وتنتظر الأموال من المؤسسات الحكومية والخاصة وكنت امتنع كليا عن استلام أية مبالغ مالية من أي شخص أو مؤسسة مقابل عملي الصحفي احتراما لمهنتي .
 
عوضت عن العوز المالي للعمل بالصحافة بالعمل في أكثر من جهه فكنت مثلا إلى جانب عملي في الصفحة الثقافية بالثورة أكتب للصحوة لفترة وجيزة وللناس ولغيرها من الصحف المحلية أما الصحافة الدولية ورقية وتلفزيونية فكانت إقطاعيات بيد كثير من كبار الصحفيين حينها وهذه الصحف بالطبع كانت على ارتباط بالحكومة والأمن.
 
في صحيفة الثورة الرسمية وجدتني أعمل بجد بعدأن وجدت هناك شخصية تشبهني لحد كبير روحا وكفاحاوأخلاقا وتربطنا الكثير من القيم.
 
كان الأستاذ عبدالرحمن بجاش وهو صحفي جميل وكاتب أجمل وصديق رائع تستطيع وأنت بجانبه أن تشعر بمشاعر الأب ومشاعر الأخ الأكبر ورغم أنه صحفي كبير لكنه يعلمك التواضع.
 
جمعتنا القراءات والهوايات المشتركة ومقيله في الصحيفة ظل مفتوحا لي دون غيري من الصحفيين وكان ذلك يشعرني بالتميز .
 
هناك في الثورة وبتشجيع من بجاش او ابن الشيخ قاسم كما يحب أن يسمع كتبت في صفحة اليوميات الأخيرة وأنجزت أكثر من حوار بينها حوار ذكريات من القاهرة للأستاذ محسن العيني رئيس الوزراء الأسبق بعد نشره كتابه الجميل خمسون عاما في الرمال المتحركة ويتحدث فيه عن تجربته منذ الطفولة.
 
وحوارات أخرى بينها حوار للروائي المصري الراحل جمال الغيطاني الذي التقيته في مجلة أخبار الأدب بالقاهرة.
 
وكذلك الشاعر المصري فاروق شوشه الذي التقيته في مكتبه بالجامعة الأمريكية بالقاهرة.
 
لازلت أنعم بالتواصل مع بجاش حتى اليوم ولازال يحتفظ بألق شخصيته كما كان.
 
هناك في صحيفة الثورة تعرفت إلى فؤاد عبدالقادر محمد القعود وجميل مفرح وعلي ربيع الخميسي ومحمد العبسي رحمه الله ومحمد الظاهري وصقر الصنيدي وغيرهم الكثير.
 
بداية انتقالي إلى صنعاء بدأت بطباعة كتابي الشعري الأول تحولات الفتى والمساء وكان طبعة شخصية أنجزها الصديق العزيز رفيقي فيما بعد طوال معيشتي في صنعاء فضل القدسي قبل أن تفرقنا الغربة والحرب .
 
كنت أبيع كتابي للمؤسسات بأسعار تشجيعية ومرة قررت زيارة الهيئة العامة للكتاب هناك التقيت بالصديق العزيز جدا الاستاذ خالد الرويشان ومن هناك جمعتنا صداقة طويلة ورفقة طيبة تحولت فيما بعد إلى عمل.
 
وخالد الرويشان صفحة جميلة من صفحات كتاب ثقافي جميل له بصمات ثقافية مؤثرة.
 
كان خالد رئيسا للهيئة العامة للكتاب وهناك قرر شراء نسخة من كتابي الشعري الأول رغم أنه لا يعرفني ولاحقا قررشراءنسخ أخرى رغبة في دعمي.
 
منذ 2001م وحتى 2004 عقب توليه وزارة الثقافة وانخراطي في عملي بقناة الجزيرة احتفظت بصداقته المستمرة وصحبته في الهيئة والمنزل وجمعنا مقيل يومي في منزله ولطالما كنا نتناول الغداء في منزله ايضا.
 
كان منزله منذ ذلك الوقت وحتى اليوم مكانا دافئا للكثير من الأصدقاء والمثقفين وهناك تعرفت أكثر إلى شعر البردوني وأغاني أم كلثوم التي يحفظها عن ظهر قلب وهناك أيضا كنا نسهر على قصائد العظيم المتنبي ولازلت أذكره وهو يلقي بيت المتنبي القائل .
 
رأى خلتي من حيث يخفى مكانها
فكانت قذى عينيه حتى تجلت
 
في 2003 أصدرت مجموعتي الشعرية (جرح آخر يشبهني عن الهيئة العامة للكتاب وللأسف أنه أصدار خيب ظنوني فتصميمه الذي كان بحجم الكف وعمل عليه الفنان العزيز حكيم العاقل كان يذكرني بكتب الأذكار والأدعية.
 
كنت حينها جزءا من معركة طاحنة دارت بين خالد كرئيس لهيئة الكتاب وعبدالوهاب الروحاني وزير الثقافة في ذلك الوقت الذي كان يسعى لإقالة الرويشان من هيئة الكتاب قبل أن يعين خالدفي 2003 وزيرا للثقافة وتحسم المعركة لصالحه.
كانت فرصة مميزة لي أن أكون إلى جانب وزير الثقافة آنذاك.
 
في تلك الفترة عينت مديرا ثقافيا لفعاليات معرض الكتاب الدولي بصنعاء، وفي نفس الفترة ايضا كنت عضوا في لجنة مكلفة بالترتيب لمهرجان ثقافي عربي شعري أقامته وزارة الثقافة بصنعاء وهو مهرجان الشعراء التسعينيين الذي جمع مئات الشعراء من الوطن العربي الخليج والمشرق والمغرب .
 
لم يدم ذلك طويلا لأنني التحقت في منتصف2004م بالجزيرة وفي بداية العام كنا مع وزارة الثقافة ضيوفا على الرباط عاصمة الثقافة العربية آنذاك بوفد رأسه الوزير وضم الشعراء والروائيين والفنانيين وفرق الغناء والرقص وهناك شاركت في أمسية شعرية جميلة في مدينة أصيلة بالمغرب .
 
في مرحلة صحيفة الثورة كنت قدانخرطت في العمل التلفزيوني الذي وجدت طريقه عبر الأخ العزيز علي الحمزي وكان مخرجا في التلفزيون قال إنه تابع لقائي في أحد برامجه التلفزيونية ودعاني لعمل اختبار وبدأت العمل حينها من نهاية2002م.
 
كان برنامجي ثقافي فكري فني حواري واتذكرأنني انجزت مجموعة حوارات تلفزيونية مهمه بينها حوار للفنان نور الشريف من حلقتين بعد مسلسله الذائع الصيت الحاج متولي وحوار مع الشاعر المصري الكبير عبدالرحمن الأبنودي ومع مخرجة مسلسل أم كلثوم إنعام محمد علي والشاعر اللبناني شوقي بزيع وأسماء عربية ويمنية كثيرة.
 
 
 * نقلا عن صفحة الكاتب بالفيسبوك

التعليقات