الطريق إلى الجمهورية
الاربعاء, 08 أبريل, 2020 - 01:38 مساءً

ما الذي تسرقه منا الأيام ..تسرق الأيام ما تمكنها أنت من سرقته تسرق الوقت، والصحبة، تسرق الأحبة والأماكن والمدن، لكنها قطعا لا تستطيع سرقة الحلم .
 
في طريقي اليومي إلى صحيفة الجمهورية سيرا على الأقدام مصطحبا حلمي حينا وأحيانا كان يرافقني بعض الأصدقاء بينهم مروان المخلافي وبندر البعداني وهذان صديقان عزيزان وممثلان رائعان إلى ما بعد الثانوية قبل أن تتقطع بنا السبل ونتفرق حيث أنا انطلقت إلى صنعاء باحثا هناك عن حلم جديد بعد أن أوصدت تعز أبوابها في وجهي ،وكأن قدر كل اكتمال نقصان.
 
الطريق من عصيفرة أو شارع التحرير الأسفل الى الجمهورية الصحيفة بعيد وطويل يحتاج أن تخترق شارع التحرير الأعلى ثم السوق المركزي وهناك كشك جميل للكتب والصحف لطالما توقفت عنده لشراء المجلات والصحف وهي عادة يومية لي ولغيري انتظار الموزع الذي يأتي من صنعاء فيغذينا بآخر الإصدارات الصحفية والثقافية والكتب .
 
ثم تقطع شارع العقبة الطويل وهناك كانت حلويات أبوخالد قبل أن تتجه يمينا فتمر بالغرفة التجارية فمبنى البريد والإدارة الصناعية لمجموعة هائل سعيد ثم النقطة الرابعة وإدارة الأمن وبجوارها كلية الآداب لتصل بعدها إلى الصحيفة الجمهورية.
 
كانت الصحيفة الجمهورية قد بلغت مرحلة اليأس قبل أن يجدد شبابها سمير اليوسفي فقد عين نائبا لمدير التحرير ثم مديرا للتحرير وفي تلك الفترة أطلق الثقافية التي ملئت السمع والبصر وكانت الصحيفة الأكثر توزيعا والمنبر الأقوى إعلاميا على مستوى البلاد.
 
قبل سمير كان زيد الغابري مدير التحرير رحمه الله يستقبلني في مكتبه وينشر لي مقالاتي وقصائدي وتعرفت على زملاء هناك بينهم شوقي اليوسفي ومحمد عبدالله قائد شكري الحذيفي علي الرعوي وكان رئيس التحرير ومحمد المجاهد رئيس مجلس الإدارة وأسماء أخرى كثيرة.
 
كان كل همي دائما أن أحجز موقعا لي على صفحات الجمهورية ومن حسنات سمير اليوسفي وهي كثيرة أنه على غير عادة مديري الصحف لاينظر إليك كمسؤول وإنما ينظر إليك كمنتج ويحاول بذكاء صحفي غير معهود أن يسوقك ليبيع سلعة متعددة ،وقل أن تجد إدارة صحفية بهذا الذكاء في ذلك الوقت.
 
أثارت الثقافية التي كان سمير يوليها جل وقته واهتمامه حروب داحس والغبراء الثقافية فقد جمع الشامي بالمغربي ! الإسلامي بالناصري بالإشتراكي اليساري باليميني مشايخ الدين بالليبراليين شعراء الحداثة وشعراء العمود في خلطة أنتجت جدلا ثقافيا وفكريا سمعت به كل اليمن وزاد على ذلك أن قدم وجبة أسبوعية ساخنة تحت عنوان رهينة الغربتين وهو نص نسوي شغوف عاطفي يكسر تابو الحب والغرام عند النساء ويحيل المرأة عاشقة متيمة بالرجل ، سلبت عقل الجمهورالذي ظل يتابع بشغف ويسأل من هي رهينة الغربيتن؟
 
كان ذلك في نهاية التسعينات تقريبا وتصدر الجدل حول رهينة الغربتين صفحات الثقافية والصحف الأخرى في مجتمع تلهب حماسه العواطف والإثارة والألغاز!
 
كانت مرحلة الثقافية جزءا مهمافي صعودي الشعري والثقافي إذ كانت مفتوحة لي من الغلاف إلى الغلاف وأحيانا المانشيتات وهو أسلوب تشويقي في الإخراج كان يبدعه سمير دون غيره لذلك نجحت الثقافية أيامها نجاحا منقطع النظير.
 
وبعيدا عن كل الانتقادات والإخفاقات التي لحقت بصانع تلك المرحلة فإن خلف ذلك النجاح كانت إدارة صحفية متميزة وحسا صحفيا قويا وكم أتمنى أن يكون لنا الحرية الكاملة في إبداع أعمال صحفية على ذلك النحو في ظروف أكثر معقولية.
 
كنت أريد أن أتحدث عن مشواري اليومي إلى الجمهورية بنفسي قاطعا كل تلك الكيلوهات نحو الصحيفة ، كان المشوار يسعدني ودون وعي مني إذكنت أعتقد أن هذا الطريق مسؤول عن تقديمي إلى الآخرين في ظل إغلاق كل الأبواب واحتكارها من قبل آباء الصحافة التقليديين باليمن ومن قبل السلطات آنذاك أو المنابر الحزبية التي كانت منغلقة على ذاتها وعلى المنتمين إليها قبل أن تأتي الثقافية فتفتح لنا صدرها.
 
كنت حينها في سن الثامنة عشرة وكنت أجد مقالاتي على العمود اليومي في الصفحة الأخيرة للجمهورية وأظن كان اسمه يوميات ومن حينها عرفت شيئا اسمه الإنتاج الفكري وهو مبلغ رمزي كان يدفع مقابل المساهمات والكتابات وكان شيئا مفرحا.
 
في تلك الفترة لم أكن قد تخرجت من الثانوية بعد وكنت قداخترت طريقي منفردا نحو الشعر والصحافة وطبعا عليك وإنت تقرر ماذا تريد وإلى أين تتجه أن تعبر كثيرا من الأشواك والمصاعب وبينها الصعوبات الاقتصادية والحصول على لقمة العيش ، وقد كان تحد أكبر من كل التحديات اذ غادرت حياتي مع والدي كليا وبحثت عن طريق آخر وكان هذا يعني تحملا لمسؤولية الفاقة والعوز وهذه قصة أخرى إلا أنها وجدت حلا عندما أكملت الثانوية والتحقت بمجموعة هائل سعيد أنعم. الإدارة الصناعية عام 97م وكانت هذه نقلة جديدة لي في التفكير والتطوير وتكوين الشخصية رغم قصرها .
 
قبل الجمهورية وبعدها بقليل كنت قدتعرفت على اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين وكان الصديق العزيز عزالدين سعيد أحمد بوابتي إلى الإتحاد وعز الدين سفيراليمن في المغرب حاليا كاتب قصة جميل وهو من القلائل الذين يكتبون بتلك اللغة وهو يساري عتيق وعمل في الجمهورية فترة قبل أن يقصى منها بسبب انتمائه ثم لاحقا عرف طريقه إلى المنظمات الدولية وإلى الحكومة في عهد علي عبدالله صالح.
 
هناك التقيت بشرى المقطري وسلوى القدسي ومحمد ناجي أحمد ورمزي الحكيمي وأسماء كثيرة وبالطبع محمد عقيل الإرياني رئيس الإتحاد ونائبه الرجل الرائع محمد المجاهد رحمهما الله جميعا وجمعتنا بالجميع أمسيات وصباحيات ومساجلات كثيرة ولم يكن من السهل الإنخراط في هذا الجو لشاعر شاب تلاحقه تهمة الأخونة والإسلاموية رغم التغيير والتغير الملحوظ في شخصيتي ورغم أنه لم يكن يدل على ذلك سوى البيئة والمحاضن التي قدمت منها.
 
إلا أن كثيرين يروق لهم وضعك في إطار وقنصك ولتعز وأهلها قصة مع الحزبية والأحزاب والأيدلوجيا والكراهية الممتدة بين الجميع لأسباب سياسية لاتزال تعيق تعز عن أن تجد ذاتها الحقيقية حتى اليوم.
 
وهذه قصة أخرى سأحاول تذكرها ...
 

التعليقات