الإخوة قيادات الأحزاب والشخصيات السياسية والاجتماعية.. لا سلام عليكم
مع مؤشرات الانقلاب على الدولة المركزية في صنعاء واقتضام المليشيا الحوثية الإرهابية المحافظات والمدن وارتكاب مجازرها من دماج وحتى عمران والتهيؤ لاقتحام العاصمة صنعاء، كانت الأحزاب وقياداتها قد خارت قواها، وبعضها اشتغل طابوراً خامساً مبشراً بالعهد الحوثي "الجديد" كمنقذ وهرول لمناصرته، وفض كل تحالفاته، كان معظم الشعب اليمني يوجه أنظاره صوب تعز؛ الكتلة الصلبة في مواجهة المشاريع الإمامية عبر التاريخ، وحاملة المشروع الوطني وحامية الدولة اليمنية لاعتبارات كثيرة أهمها على رأسها المنظور التنويري الثقافي الذي عرفت به تعز عبر التاريخ.
ومع اجتياح المليشيا الحوثية صنعاء وإسقاط الدولة اشرأبت أعناق المواطنين أكثر من ذي قبل صوب تعز، وبعض القيادات السياسية والاجتماعية والتربوية التي يهددها الحوثي ووقفت في وجهه يممت وجهها شطر تعز كالغريق الذي يتشبث بقشة في ظل موج عاتٍ فتحت له الأبواب وساعدته كثير من الأحزاب والقوى وحتى القائمين على الدولة المفترض أنهم المسؤولون الأولون وحائط الصد الأول وصولاً إلى الشخصيات السياسية والاجتماعية والإعلامية التي ملأت الصحف والمواقع الإعلامية ضجيجاً وتبشيراً.
انهار كل شيء فجأة؛ أحزاب وكتل وجيش وقوى أمن وأجهزت الدولة المختلفة، وكانت أيدي المواطنين ممسكة بقلوبهم وما زال الأمل قائماً على تعز.
تعز التي خذلت نخبتها الجمهورية والدولة، وكان كُتّابها وإعلامُها - بحكم انتشاره في معظم المحافظات ومتواجداً بقوة في المركز- يهدمون كل حوائط الصد المتبقية، ويشرعون ويبررون للمليشيا الغزو، حتى تم إعانتها من داخل تعز نفسها من بعض القوى والشخصيات.
كانت عوامل التشتت السياسي كأحزاب مختلفة والاجتماعي والثقافي في تعز من أهم ثغرات الغزو الحوثي التي نفذ من خلالها بسبب انقسامها وتأييد بعضها الحوثية باستثناء النواة الأولى لتشكيل المقاومة والتي أصبحت اليوم ملامة في كل شيء من قبل الطابور الخامس الذي هيأ وتعاون مع الحوثية، ويحملون المقاومة كل ما تعرضت له تعز من عدوان انقلابي على اعتبار أنهم كانوا يستطيعون تجنيبها الحرب كما يشيعون.
الشتات الحزبي شتت المجتمع اجتماعياً وثقافياً أيضاً وأضعف قوته وأنهك مجتمعه، وكان مفترضاً بهذه الأحزاب أن تكون نواة صلبة للتكتل ضد الانقلاب ومشاريع الغزو والهدم، تجذب المشتتين إليها ويأتلف الناس حولها، إلا أنه صار العكس تماماً؛ زادت من انقسام المجتمع وتفرغت قياداتها العليا والوسطى والقواعد لخوض حروب بينية داخلية جانبية بشكل مناكفات وتشويهات وتحريضات ضد بعضها البعض والضحية في نهاية المطاف تعز بالدرجة الأولى والدولة بدرجة ثانية.
أظهرت الحرب الإعلامية بين الأحزاب هشاشة المجتمع، واستدعت الغزو وعززت من قوته، وأضعفت تعز، وخيبت نخبتها آمال الشعب والمحافظة، وتسببت في خذلان المجتمع الإقليمي والدولي للمحافظة وعدم الالتفات إلى حصارها وجرائم الحوثيين الإنسانية بحق المدينة.
بدل أن تكون تعز وجيشها ومقاومتها محط فخر التعزيين أولاً واليمن ثانياً والتحالف ثالثاً ومحط إعجاب ودعم والتفاف كامل حولها صوّب الجميع سهام الغدر نحو صدورها، ودفعت أثماناً باهظة محلياً وعربياً ودولياً. تلك التحريضات بررت جرائم قتل واغتيال ضباط وأفراد الجيش الوطني وأفراد مقاومتها الباسلة، ونفرت الناس من حولهم، وصاروا متهمين في كل شيء، وخذلوا في معيشتهم ورواتبهم وهم من ضحى بالغالي والنفيس في سبيل تحرير المدينة والمحافظة وأوجدوا أرضية ومكاناً يأوي إليه المشردون الهاربون من جحيم الإرهاب الحوثي إلى حضن تعز الدافئ ومدينتها الباسلة حيث يعيش كثير نمن شردوا من ديارهم وأعمالهم.
مارب اليمن
محافظة مارب التي شُوهت طيلة فترة حكم علي صالح، وكان الناس يفرون منها فرارهم من المجذوم، أثبتت أنها قلب اليمن وصدره الحنون؛ إذ كانت مأوى كل اليمنيين الواقفين مع الدولة والذين تعرضوا للإرهاب الحوثي بطشاً وتنكيلاً وتهجيراً، فالتف الناس حولها وولوا وجوههم شطرها، وكان المأمول أن يكون هذا دور تعز الريادي.
الوحدة الاجتماعية المتمثل في نواة القبيلة وعرفها في مارب والجوف أثبتت أنها الكتلة الصلبة الحقيقية التي يجب أن تنمى وتتحول إلى مؤسسات للدولة، كبديلة للحزبية وتعدداتها التي نخرت المجتمع نخراً في أساسه وصلبه وعموده.
لقد تجنت نخبة تعز - وتتجنى كل يوم- بحقها وحق أبنائها وحق الشعب اليمني بتعميق هذا الانقسام وإثارة النعرات واستدعاء السلبيات واجترار الصراعات وتعدد الولاءات خارجياً لهثاً وراء مصالح شخصية وأنانية في ظل وجود دول تدفع وتستقطب وتغذي هذه الانقسامات لإضعاف الشعب اليمني عموماً وإظهار هشاشة الدولة وتكريس الانقلاب الحوثي وجعله أمراً واقعاً لا يمكن زحزحته الكل يتفاوض معه؛ فقوة المشروع الحوثي ليس في تكوينه ولا فكره ولا قوة مليشياته المسلحة بل في تفرقنا نحن وانقسامنا وتعميق هذا الانقسام.
لقد ظهر الرجل القبيلي الذي كنا نسخر منه طيلة الفترة الماضية أكثر إدراكاً وفهماً ومسؤولية من الرجل المفترض أنه تنويري ومثقف، وبدأت القبائل تنصب مطارحها الأولى تصدياً للمشروع الحوثي الانقلابي، بينما انخرط (التنويريون) في الانقلاب بطريقة أو بأخرى؛ إما مسانداً واضحاً ومنحازاً له وإما بطرق غير مباشرة في بقائه حملاً ثقيلاً على الدولة والمقاومة يفتعل كل يوم معاركه الجانبية لا ضد الانقلابيين بل ضد المقاومين لهذا الانقلاب، فيذهب إلى القدح والردح والتشكيك والتخوين والتخذيل والتشويه لتنفير الناس من حولهم، وهذا أشد أثراً وأشد وقوفاً مع الانقلاب من الانحياز الواضح والصريح له.
للأسف الشديد أن قيادات الأحزاب والشخصيات السياسية والاجتماعية (الكبيرة) تنجر وراء شائعات مواقع التواصل الاجتماعي وتجرها القواعد لتهبط إليها بدلاً من أن ترفعها إليها في توحيد الكلمة ونبذ الشقاقات والنزاعات وإيقاف المناكفات والمهاترات، وحتى المكونات التي تبنتها لا يوجد لها أساس ولا تأثير على أرض الواقع كـ"التكتل الوطني للأحزاب السياسية" وغيرها، حتى الحلول الترقيعية لم تعد مجدية، بل لا بد من حلول جذرية للواقع المزري الذي تعيشه هذه النخب وأدخلت تعز فيه.
يا أبناء تعز ونخبها: إن التاريخ يسجل ولا يرحم؛ فهو يسجل أدواركم ومسؤولياتكم وأعمالكم في خذلان تعز أولا وخذلان المشروع الوطني الكبير ثانياً، ويسجل أن مارب "القبلية" فاقت تعاملاً تعز "التنويرية الثقافية".
لولا انقسام النخب والأحزاب لما انقسم المجتمع، ولما وجدت كل هذه المشاكل التي تحيط بتعز واليمن اليوم.
في بداية المقاومة للمشروع الحوثي المنطلق من مدينة تعز وتحريرها شبراً شبراً حينما دفنت النخب رؤوسها في الرمال وتصدر الشرفاء مدنيين وعسكريين المقاومة للمشروع الحوثي وكان الجانب الإعلامي والمناكفات أخف وطأة أمل الناس كثيراً في مقاومتهم وجيشهم، والتفوا حوله، وتحقق النصر على قدر ذلك الالتفاف حينما كان النفر من المقاومة يتناوبون على بندقية واحدة ويشترون الذخيرة من قوت أطفالهم ليبحثوا لكم عن أمل وعن كرامة وعن أمان وعن وطن ومدينة ترجعون إليها وتزورون أهاليكم وأنتم آمنون، ولما تحقق ذلك الشيء عدتم لتتسلقوا على دماء وجماجم الشهداء وأكتاف الجرحى الذين تسخرون منهم في كل المواطن، وتسابقتم على المناصب والهبات والعطايا والرواتب المجزية ومرة أخرى خذلتم الشهداء وأسرهم وأطفالهم، وخذلتم الجرحى وخذلتم أمكم تعز وخنتم أماناتكم ونكثتم عهودكم وكثير منكم سوى وضعه الاقتصادي والسياسي ولا يبحثون اليوم عن عودة بل عن مواطن لجوء مميزة في أوروبا وغيرها، وما زال الشرفاء الأحرار في متارسهم يكابدون الأمرين.
إن تعز اليوم واليمن عموماً بحاجة إلى حل جذري يبدأ بنخبها والبحث في الأسباب الموضوعية والحقيقية في تكوينات هذه الأحزاب إيجابيات بقائها وسلبياتها وإلا فإلغاؤها أولى ولتبقى تعز للجميع.
