لم تكن إيران في حاجة إلى استنفار جهودها وإمكانياتها لإحداث فوضى في بعض البلدان العربية، لأن دعمها لحقوق «المستضعفين» و«المظلومين» في البلاد العربية تبين أنه «كذبة كبرى». صحيح أنها دولة لها حضورها الكبير في المنطقة، ومن حقها أن تدافع عن مصالحها، لكن ليس عبر دعم وتمويل الميليشيات للانقلاب على الأنظمة.
ما حدث في اليمن من دعم إيراني أمر غير مفهوم، ولم تنكر طهران في يوم من الأيام دعمها لجماعة الحوثي، التي تقوت منذ الحرب الثالثة التي دارت بينها ونظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح عام 2006، بعد أن مدتها بالمال والسلاح وحركت أذرعها الإعلامية الموجودة في الضاحية الجنوبية من بيروت، ونقصد بذلك «حزب الله»، الذي أثبتت تحقيقات أجرتها الأجهزة المختصة في عهد صالح أن عدداً من الخبراء من الحزب كانوا يتولون تدريب الحوثيين في صعدة وفي لبنان، إضافة إلى طابور طويل من الحوثيين الذين كانوا يمرون إلى إيران عبر سوريا، باعتراف سفير اليمن السابق في سوريا عبد الوهاب طواف.
تدرك طهران أن حضورها في اليمن غير مرحب به، بخاصة إذا ما أدركنا مخاطر هذا الحضور على الوضع الإقليمي في المنطقة، إذ إنها تدرك أن هذا الحضور سيقابل برفض صريح من قبل دول مجلس التعاون الخليجي، وقد رأت ردة فعل هذه الدول بعد أن سيطر الحوثيون على العاصمة صنعاء في شهر سبتمبر/ أيلول من عام 2014 ومسارعة طهران بالإعلان أنها صارت حاضرة في عواصم 4 دول آخرها صنعاء، لتضاف إلى 3 أخريات: بيروت، دمشق وبغداد.
المواقف المستفزة لطهران من خلال الدعم الذي قدمته لجماعة الحوثي واستغلال الظروف الصعبة التي عاشها اليمن منذ الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها البلاد عام 2011 وما تلاها، أكدت انتهازيتها وسعيها لإحداث اختراق في نسيج المجتمع اليمني المرتبط بنسيجه الإقليمي والعربي، فعززت من مساعيها الرامية إلى إحداث شرخ كبير بين الجماعة وخصومها، لدرجة تحويل الصراع في بعض جوانبه إلى صراع مذهبي في المناطق التي سيطر عليها الحوثيون في مناطق مختلفة من البلاد.
اليوم أدرك اليمنيون أن إيران لم تكن تهدف من وراء دعمها للحوثيين دعم استقرار بلادهم، بقدر ما كانت خطوة لتثبيت أقدامها في البلاد وإحداث مزيد من الانقسام في المجتمع وإبقائه رهين الخلافات والانقسامات، إذ لم يتم تسجيل تقديم أي دعم إنساني من قبل إيران لليمن، ولم يتم إحصاء سوى سفن تحمل أسلحة وذخائر لإشعال الحرائق في كل بيت.
ولولا أن دول الخليج تنبهت لمخاطر الحضور الإيراني في اليمن، وتدخلت لمحاصرته في الوقت المناسب، ومن ثم القضاء عليه بوسائل وطرق عدة، لرأينا الحوثيين يمعنون في الارتماء في أحضان طهران، كما كان يرتب له الإيرانيون منذ سنوات عدة.
مع ذلك فإن علاقة إيران باليمن ومحيطه لا تتطلب استمرار العداء والخصومة، بقدر ما تتطلب تعاوناً لإخراج اليمنيين من محنتهم، فإيران بلد له حضوره وإمكانياته، وما تحتاج إليه هو أن تكون علاقاتها بالعرب مبنية على احترام أوضاعهم الداخلية وعدم صب الزيت على النار المشتعلة في كل مكان، وبهذه الطريقة يمكن أن تنمو علاقات أقوى وأمتن عوضاً عن الخطط الرامية لتفتيت البلاد العربية، وهي خطط لن تنجح في نهاية الأمر، بل ستزيد من حال الاحتقان بينها وبين العرب جميعاً.