ما الذي خسرته السعودية من قرار دخول الحرب في اليمن؟
الأحد, 24 مارس, 2019 - 09:33 صباحاً

ما الذي يمكن حدوثه في حال أتيحت الفرصة من جديد لصاحب قرار دخول المملكة العربية السعودية الحرب في اليمن بالنظر فيه مجددا؟
 
وهل يبدو ذلك القرار بعد أربع سنوات من التعثر والفشل على الصعيد العسكري والسياسي والدولي ودفع الثمن الاقتصادي الباهظ قرارا خاطئا وفي غير محله استدعته ظروف بدايات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ورغبته في السيطرة على مقاليد الحكم وتقديم نموذجه الجديد كمجدد للدولة السعودية وكمخلص من المشروع الإيراني حسب رؤيته عند اتخاذ ذلك القرار؟
 
لا يبدو لي أن صانع هذا القرار قد استفاد شيئا سوى الندم. غير أن الدولة السعودية التي رأى صانع أحداثها الأخيرة توريطها في تلك الحرب التي لا قرار لها ولا نهاية تنزف كما لم يحدث في أشد تواريخها قسوة وأشد تجاربها مرارة.
 
فعلى الجانب العسكري تنشر وكالة الأنباء الرسمية أخبار عشرات القتلى والجرحى بشكل يومي من الجنود السعوديين في القتال بين الحوثيين والجيش السعودي في حدود جازان ونجران وعسير أو ما يطلق عليه في السعودية بالحد الجنوبي.
 
فقد ارتفع عدد القتلى خلال أربع سنوات من الجنود والضباط حسب إحصاء للإعلام السعودي إلى نحو ألفي قتيل ويتوقع أن ذلك العدد هو أقل من عدد القتلى الحقيقيين، أما الجرحى فهم بالآلاف حسب نفس المصادر الإعلامية الرسمية.
 
وتبدو الحاجة إلى وقف هذا النزيف هي الأكثر إلحاحا في الوقت الحالي إذا ما قيست بخسائر السعودية اقتصاديا وسياسيا ودبلوماسيا وعسكريا في الداخل اليمني، لأن النعوش اليومية التي تحمل قتلى الحد الجنوبي بقدر ما كان يراد لها أن تكون علامة فارقة في صعود ولي العهد السعودي للعرش تبدو مهددة له شعبيا ولمستقبله إذا لم تتوقف.
 
يمكن ملاحظة ذلك مع استشعار دوائر الغرب وبالذات أمريكا لخطر بقاء السعودية في دوامة حرب لا نهائية، وقد عبر عن ذلك في وقت سابق وقبل استقالته وزير الدفاع الأمريكي ماتيس، وحتى وزير الخارجية الأمريكي بومبيو اللذان عبرا أكثر من مرة عن ضرورة توقف استهداف الحوثيين للمدن السعودية بالصواريخ والطائرات المسيرة.
 
وقد أوقف الحوثيون في الآونة الأخيرة الهجمات الصاروخية على المدن السعودية كالرياض وعواصمها الأخرى بموجب اتفاق مع هذه الدول أبرم قبل اتفاق السويد الذي رعته الأمم المتحدة بين الأطراف اليمنية في كانون الأول/ديسمبر من العام الماضي وأثناء أزمة قتل الصحافي جمال خاشقجي حين كان السعوديون يودون بأي ثمن الخروج من تلك الأزمة .
 
لكن الحوثيين عادوا من جديد قبل أيام ليهددوا بعودة الضربات الصاروخية والمسيرة على الرياض وأبو ظبي وعرضوا ثلاثمئة هدف عسكري سعودي تحت الاستهداف.
 
وذلك يعني أن الصفقة التي كانت إيران جزءا منها وكان يراد لها أن تتم بوقف الحرب السعودية الحوثية في الجانب السعودي لتجنيب المملكة المزيد من الخسائر لم يكتب لها النجاح، لكن ثمة محادثات تجري بين طهران والدول الأوروبية بهدف إنجاز حل للحرب في اليمن وانعقدت الجولة الخامسة منها في بروكسل الأسبوع الماضي كما صرح حسين أنصاري مساعد وزير الخارجية الإيراني.
 
على الجانب الآخر فإن التكلفة الاقتصادية المرتفعة تهدد بشكل فعلي اقتصاد الرياض بعد الحديث عن مئات المليارات من الدولارات كخسائر سعودية في هذه الحرب سواء من جهة شراء الأسلحة من دول العالم وفي مقدمتها أمريكا أو خسائر القتال على الحد الجنوبي وتكاليف خدماتها اللوجستية والاستخباراتية.
 
ومن جهة أخرى تكاليف التورط في الداخل اليمني سواء بالآلاف من الغارات الجوية أو دعم الجيش اليمني وحتى الدخول بقوات سعودية في المهرة وسقطرى ومأرب ووجود بعض القوات في مناطق أخرى.
 
وبميزان خسائر السياسة والسمعة فإن الكلفة الإنسانية
 
بسبب الغارات الجوية للتحالف السعودي الإماراتي تدفعه السعودية يوميا أمام المنظمات والهيئات والدول بينما تبقى الإمارات بعيدة عن أي كلفة في هذا الاتجاه باعتبار السعودية هي قائدة الحرب في اليمن.
 
وسيقود الحديث عن دور السعودية والإمارات في هذه الحرب للحديث أيضا عن مكاسب كل منهما أو لنقل عن مطامع الدولتين في اليمن.
 
إذ تبدو الإمارات منشغلة بالاستيلاء على الموانئ الحيوية والاستراتيجية خلال سنوات الحرب وأنهت العمل على تغيير الخريطة الجغرافية العسكرية بتشكيلها عشرات الآلاف من الجنود في جنوب البلاد وساحلها الغربي خارج نطاق الجيش اليمني وضمن تبعيتها المباشرة.
 
ذلك يبدو تخطيطا لما بعد الحرب في اليمن وهو ما تريد أن تجنيه الإمارات بعد انتهائها كشكل من أشكال السيطرة العسكرية على الجنوب ومقدراته ولدعم توجهاتها السياسية وتوجهات أذرعها كالمجلس الانتقالي الجنوبي.
 
وفي شكل من أشكال السباق بين الدولتين ذهبت الرياض للمهرة شرقي اليمن بقوات عسكرية لتواجه غضبا شعبيا لا محدودا ضد تدخلها العسكري الذي قد يكون له تبعات كبيرة مع اعتبار ما يعني ذلك من تهديد بالنسبة لسلطنة عمان الحدودية مع المهرة والتي تحتفظ بعلاقات واسعة مع المحافظة وقبائلها، وعلى الجانب الآخر محاولة سعودية للحضور العسكري في صحراء حضرموت بعد توسع نفوذ الإمارات العسكري من خلال قوات النخبة الحضرمية في المكلا وساحل حضرموت.
 
وربما تبدى ذلك السباق في رفض جزء من صناع القرار السعودي والمسؤولين فيها للمساحة الكبيرة التي تتحرك فيها أبو ظبي داخل اليمن وسعيها لكسب مصالح استراتيجية في اليمن على حساب الرياض.
 
لا شك أن صانع القرار السعودي يشعر بوطأة وثقل دخوله الحرب في اليمن بعد أربع سنوات على تلك الحرب، وفي المحصلة فإن لا أحد داخل السعودية ولا خارجها يعتقد بأن ذلك القرار كان صائبا بنتائجه الحالية.
 
هناك اعتقاد سائد بأن إطلاق عملية عاصفة الحزم في اذار/مارس 2015 والدخول المباشر في حرب اليمن كان خطئا استراتيجيا كلف السعودية وصانع قرارها الكثير.
 
فما الذي تحتاجه السعودية من خوض حرب في جارتها التاريخية العنيدة بجغرافيتها الصعبة وتكويناتها القبلية والسياسية المتقلبة؟
 
ألم تكن بحاجة فقط لدعم توجه الحكومة وجيشها دون التورط عسكريا في حرب كلفتها وستكلفها الكثير؟
 
هناك من يرى أن من البدائل المتاحة حاليا للسعودية هي الخروج من المأزق بوقف التدخل المباشر وتمكين حكومة هادي من أراضيها المحررة وكف يد الإمارات عن اليمن.
 
لكن هل ما زال أمام السعودية فرصة لتصحيح الوضع في اليمن أم أن أحداث السنوات الأربع الماضية غيرت خريطة الصراع ولم يعد بالإمكان تصحيح أخطاء دخول حرب اليمن؟!
 
وإن كان ثمة مستفيد من أي حرب فمن المستفيد من تغيير ملامح خريطة اليمن العسكرية والسياسية؟
 
يمكن الإشارة لأبو ظبي كمستفيد أكيد ولو مرحليا وللرياض كخاسر أكيد الآن إذا لم يحدث ما يؤكد عكس ذلك في المستقبل.

* عن القدس العربي 

التعليقات