لماذا يحتقر السعوديون اليمنيين دون غيرهم من شعوب المجتمعات الأخرى..؟!
لا يوجد سببًا منطقيًا كافيًا، يشرح ظاهرة الاحتقار الراسخة التي يتعامل بها السعوديين مع اليمنيين بشكل خاص، منذ زمن هناك ما يشبه الاحتقار الجماعي المعمم داخل المجتمع السعودي إزاء اليمنيين، منذ بداية وعيّ بالحياة، وأنا أسمع بشكل متكرر من كل مغترب يمني أصادفه، حكايا مهينة عن طريقة تعامل السعوديين معهم.
يتعاملون مع اليمني بتوجس دائم، ينظرون له بدونية في العمل، ينتقصونه في الحياة العامة دون سبب، يعنفونه في السجون ويرونه مواطنًا من الدرجة الثانية على الدوام. بالطبع، الأمر ليس طارئًا ولا وليد اللحظة، فهناك إمتداد تأريخي لهذا التعامل المهين يعود لعقود طويلة.
لماذا يحتقروننا إذًا..؟ لماذا اليمني فقط دون غيره، من يتعرض لهذا التعامل المريب من قبل المجتمع السعودي..؟ ألانه فقير، ألانه بائس وعديم الحيلة، ألانه يتواجد في بلدهم بكثره، ألانه جذاب للنساء ويبدو فائض الفحولة، ألانه منافس محتمل وعدو تقليدي لهم..؟
مبدئيًا ومن قبل أن يتعاملون معه، لديهم قناعة أولية ثابتة بأن كل يمني مشكوك فيه، مثير للريبة، رخيص وتافه، وحتى حين يضطر ليتعامل معك، وتبدو له موثوقًا بعكس ما يراك عليه؛ فإنه يظل متمسكًا بنظرته العامة المسبقة والمستهينة باليمني. فهناك صورة ذهنية مشوهة ومحفورة في أعماق المخيال الشعبي للمجتمع السعودي تجاه اليمنيين.
أيعقل أن يكون اليمني سيء إلى هذه الدرجة، ثم لماذا لا يكون سيئًا إلا في السعودية، لماذا لا يحدث ذلك في مصر والسودان وبقية الدول العربية..؟ لا يبدو هذا منطقيًا ولا بد أن هناك أسباب عملية أخرى أسهمت في خلق وتعميم هذه النظرة وتغذيتها.
بالطبع، هنا سبب مبدئي معروف لهذه الظاهرة، وهو أن سياسة النظام اليمني السابق هي من سوّقت صورة ذليلة عن المجتمع اليمني عبر سياسة الاستجداء الدائم للمملكة؛ لكن هذا _وإن كان يشرح جزء من السبب _ لا يبدو كافيًا ومقنعًا؛ لتفسير الظاهرة، فالشعب السعودي، ليس من الشعوب اليقظة إزاء علاقات نظامه بباقي الدول، ولا يعلم كثيرًا عن طبيعة العلاقات بين بلده وبقية البلدان؛ كيما نقول بأن طبيعة علاقة التبعية بين النظام السعودي واليمن، هي من كرست هذه النظرة المستهينة باليمني التابع والذليل..!
طغيان ثقافة الكراهية العامة داخل المجتمع السعودي تجاه اليمنيين، يؤكد أنها ليست ظاهرة عفوية نمت بشكل تلقائي، فمن دون شك، هناك عامل مؤسسي ومن داخل النظام الحاكم يعمل على تغذية هذه النظرة تجاه اليمنيين، والأمر لا علاقة له بفقر اليمني وبؤسه أو تعامله؛ بقدر ما تتخذ المشكلة بعدًا سياسيًا يتعلق بمخاوف النظام الحاكم البدائية والمبطنة من هذا الشعب، وتوجساته من آثار أي إنسجام قد يحدث بين اليمنيين والمجتمع السعودي، بما يرسخ علاقة تأثير وتأثر بينهما، وبالتحديد على صعيد الثقافة السياسية لليمني وما تتمتع به من عوامل جذب، بالنسبة للمجتمع السعودي المغلق إزاء قيم كهذه..!
باختصار: تبدو جذور هذه الظاهرة تأريخية ومتشابكة، يتداخل فيها العامل السياسي بالإجتماعي والجغرافي. لدرجة أن مواطني الجنوب السعودي يعاملون بذات النزعة الاحتقارية من قبل مواطني الشمال السعودي وإن بدرجة أقل من تعاملهم مع اليمنيين.
ما لفت انتباهي اليوم لهذا الموضوع، هو خبر نشره الزميل عامر الدميني، رئيس تحرير الموقع بوست، الخبر له علاقة بالريبة التي يتعامل بها النظام السعودي مع كل ما له علاقة باليمني.
الموضوع يتحدث عن إفتتاح مسجد تحت إسم جامع : إم الأمير مقرن، ولأن أصولها يمنية، وتدعى "بركة اليمانية" استنكفوا من ذكر اسمها واكتفوا بكنيتها، على عكس كل أسماء الأميرات اللواتي جرت العادة أن تفتتح مساجد بأسماءهم.
يا له من بؤس سياسي مثير للشفقة، سلوك يكشف حجم ثقة النظام المهزوزة بثقافته وتأريخه وتوجسه من أي إشارة لأي موضوع يتعلق بالثقافة أو التأريخ اليمني لدرجة سعيه المتعمد لطمس أثر اسم يحمل طابع يمني داخل صف العائلة..!
ملاحظة: يبدو أننا بحاجة ملحة لبحوث سيسولوجية تتناول الظاهرة بشكل شامل، فكل الإجابات، دون دراسات منهجية، تبقى مجرد مقاربات عامة للمشكلة وينقصها الإحاطة الدقيقة بتفاصيل وأسباب الظاهرة.
* نقلا عن صفحة الكاتب من الفيسبوك