عبر كل تاريخنا العربي، ظهرت العديد من الجماعات التي تقنّعت بالدين، لتحقيق أهداف سياسية، بدءاً من الخوارج، والقرامطة، وليس انتهاء بجماعة الحوثي الإرهابية، التي يمكن القول إنها فاقت الجميع، في سياساتها التدميرية، وتسببت في وضع بلد عريق كاليمن الشقيق على حافة هاويةٍ لم ينقذه منها سوى عاصفة الحزم التي قادتها المملكة ضمن تحالف عربي وإسلامي بشجاعة وإقدام.
الحوثيون، الذين بدا واضحاً أنهم يعملون وفق أجندة مذهبية إقليمية لنشر الفوضى في المنطقة وتحديداً شبه الجزيرة العربية، ويأتمرون بأوامر صريحة من ملالي قم في إيران، نجحوا في استغلال فوضى ما يُعرف ب"الربيع العربي" لإكمال سلسلة المخطط التآمري الدولي والإقليمي، واستطاعوا خداع الجميع بشعاراتهم الدينية، وتحالفوا مع الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح، لتنفيذ المخطط.
أخطر ما سببه الحوثيون، أنهم ولأول مرة في تاريخ اليمن، كبلد متسامح، بذروا شقاق التناحر الطائفي والمذهبي، ووضعوا مفهوم السلامة الوطنية على المحك الخطر جداً، داخلياً، بمثل ما كانوا عنصر تهديد للأمن القومي للجيران التقليديين وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية، التي سبق أن تعرضت للعديد من التهديدات المباشرة والاستفزازات غير المباشرة على حدودها الجنوبية، واضطرت قبل سنوات للدخول في مواجهة عسكرية مع مليشياتهم الإرهابية، لتأمين أراضيها ومواطنيها.
وإذا كان الحوثيون، نجحوا قبل أشهر في تنفيذ انقلابهم على الشرعية الوطنية، واحتلوا العاصمة صنعاء، رغم كل التفاهمات السابقة، مع الدولة اليمنية، إلا أن ذلك لم يكن كافياً لهم، لأن نطاق تهديدهم اتسع تماماً وباتوا خطراً إقليمياً يطمح لاستنساخ تجربة "حزب الله" الإرهابي وتعطيل الدولة بأكملها في لبنان، ويكون بصراحة ذراعاً إيرانية صريحة تطوق الجزيرة العربية، وتهدد الملاحة الدولية في منطقة باب المندب الاستراتيجية.
وربما يكون من اللافت، أن الجماعة الانقلابية لم تكتف بعمالتها لإيران، وإنما حسب الأنباء الأخيرة، أكدت تناقضاتها الفكرية بسماحها لآخر مجموعة من يهود اليمن بالانتقال إلى الكيان الصهيوني، برعاية أميركية، في صفقة مع إسرائيل نظير مبالغ مادية كبيرة، لتكشف بجلاء الوجه الحقيقي للجماعات الإرهابية التي ترفع شعارات الموت لأميركا والموت لإسرائيل، فيما هي تبرم الصفقات معهما، بالضبط كما تفعل ربيبتهم إيران.!
السقوط المشين، لجماعة الحوثي، كان في ذلك الاستهداف الواضح للشعب اليمني، عبر جرائم القتل المنظم للخصوم، والتصفية الجسدية، عدا سياسات الحصار والتجويع المتعمدة، والسطو على المساعدات الإغاثية الدولية، وما أكثر الشهادات المحلية التي تكشف عن المآسي الإنسانية المتعددة التي تسبب فيها الحوثي وأتباعه في مناطق كثيرة من اليمن المنكوب.
ربما يكون الانحسار الأخير الأقرب للهزيمة في مسار الإرهاب الحوثي، يؤكد لنا درس التاريخ الأهم، وهو أنه لا جماعة أو قوة فوضوية، استطاعت الانتصار على دولة أيا كانت الهشاشة أو الضعف وأنه لا يمكن أبداً نجاح "بلطجي" أو "إرهابي" بالاستمرار في السيطرة على مفاصل أي دولة أو إخضاع أي شعب.. لذا تكون النهاية المحتومة، وهي معروفة مقدماً، وليست بحاجة لتأكيد.. إنها الهزيمة والاندحار مهما طال الزمن.
كاتب سعودي - نقلا عن الرياض