محاولة احتواء أبو العباس داخل الجيش الوطني في تعز، تشبه محاولة احتواء الحوثي داخل الحياة السياسية في مؤتمر الحوار الوطني، كلاهما نوع من خديعة الذات، يغري الأخر بمزيد من التصلب وينتهي الأمر بفخ صادم للجميع. من الجيد أن يستوعب الجميع أن سياسة المداراة لا تجدي إزاء جماعات عقائدية مسلحة، تشتغل بتصميم مسبق، ومغلقة ذهنيًا وغير قابلة للترويض، وأن كل ما يمكن أن تفعله سياسية الترضيات مع هذه الجماعات هو العبث بالوقت وتأجيل موعد الاشتباك، إلى جانب رفع تكلفة المعركة معها كلما طال تأخيرها أكثر وأكثر ..!
أبو العباس واضح ومكشوف، لديه مخططه، ويعرف ماذا يريد. فقط، الحمقى هم الذين يستمرون في ملاطفته، ويتوهمون بجدوى هذا النوع من السياسة معه، فمنذ بدأت ملامح الجيش بالتشكل والرجل يفصح عن هويته الواضحة. فصيل مسلح متمسك بكيانه الخاص، يرفض الانخراط كليًا داخل منظومة الجيش، يتحرك دون مرجعية قانونية ويحرص على الاشتغال خارج إطار المؤسسة العسكرية. يسيطر على مؤسسات تابعة للدولة، يرفض تسليمها، ويستغل كل الفرص للإشتباك مع فصائل الجيش الأخرى، يفعل كلّ ما سبق ومع كلّ ذلك، ما زال الجميع يتمسك بمنطق التعامل الرخو معه ويكرر نفس تجربة التعامل مع الحوثي. والنتيجة سوف نصحو جميعًا على مأساة جديدة تعصف بتعز كلها، وسيكون أبو العباس محركها الأول ..!
بالأمس، قامت كتائب الرجل المتمركزة في قلعة القاهرة بقصف مقر اللواء 22ميكا، هكذا تحرش مباشر وواضح ودونما سبب، ما حدث أمر في منتهى الخطورة. انتهى القصف قبل الفجر، وجاء الصباح ومرّ الحدث بهدوء وكأن شيئًا لم يكن..!
لا يوجد قيادات جيش تحترم نفسها، تسمح لفصيل محسوب على الجيش بقصف مقرات ألوية الجيش الأخرى، وتكتفي بالتفرجة. الأمر جنوني وصادم، وسياسة غض الطرف تجاه ماحدث؛ كارثية بكل المقاييس، وهي بالطبع، السبب الأول الذي سيجعل هذا الفصيل ينتفخ أكثر ويستمر في مغامراته؛ وصولا لاشعال معركة شاملة ضد الجميع..!
من الواضح أن أبو العباس، لا يشتغل بمفردة، وما كان له أن يمضي في عربدته المتكررة هذه، لو لم يكن مطمئن لوجود حالة تواطؤ جماعية معه.
وكالعادة فالبداية تكون من إختيار عدو واحد، كما فعل الحوثي تمامًا، وحالما تمكن أبو العباس من تقويض هذا العدو المختلق، سوف ينتقل لأهداف أخرى ولن يتوقف حتى يسيطر على المدينة بكاملها.
وبصرف النظر عن مدى قدرته على تحقيق طموحاته هذه أم لا، فالكارثة تتمثل في هذا التعامل المخزي من قبل القيادات العسكرية والسياسية معه، والسماح له بمواصلة لعبته في المدينة، ثم الاكتفاء بسياسة التدليل؛ حتى يخرج المارد المدلل عن السيطرة وتحل اللعنة علينا جمعيًا، ونفقد البوصلة من جديد، ومعها يتضاعف التيه، ويطول ليل المدينة، ولن يكون هناك خلاص في الأفق القريب..!
الخلاصة: لا حل، سوى بتجريد هذا الرجل من الرتب الممنوحة له، ونزع الصفة الشرعية عنه، ثم إخراجه من المدينة، بأي طريقة كانت، وتفكيك قواته، سلمًا أو حربًا، وإعادة تذويبها داخل الفصائل الأخرى. ما لم فلا تنتظروا استقرارا قريبًا في تعز، حتى ولو استكمل تحريرها، وخرج منها الحوثي كليًا..!