كلّ الخطباء الذين تعرضوا للإغتيال في عدن، ينتمون لحزب الإصلاح وقليل منهم يتبعون السلفية السياسية. غالبية هؤلاء الضحايا، خطباء منخرطين في الشأن العام، ولديهم موقف سياسي مضمر أو معلن مما يدور فيه، ويحتفظون بتوجه إستقلالي رافض لمشروع الهيمنة الإماراتية على المدينة. بالطبع، لا يمكن أن يكون هذا الأمر مصادفة عابرة، فلا يوجد مجرمين عشوائيين يختارون أهدافهم بتلك الدقة ويصادف أن يكون الضحايا ذو صفة سياسية موحدة ومتقاربة. وحتى وإن لم يفصحوا عن موقفهم لأسباب ظرفية إلا أن توجههم العام يٌشي بذلك...!
عدن، تحكمها الإمارات وأدواتها المحلية، وهذا أمر معروف للجميع، حيث كل شيء في المدينة يحدث تحت سمعها وبصرها وفي أحيان كثيرة باشرافها، الحال ذاته ينطبق على مسلسل الاغتيالات التي تحدث في المدينة منذ تحريرها، فالصورة الكلية للجرائم المرتبة يؤكد خروجها من عباءة الدولة المهيمنة على الوضع في المدينة.
حيث تمضي الإمارات في مخططها لتصفية كل من يمكن أن يشكل خطرا على مشروعها في الإستحواذ الكلي على القرار السياسي في الجنوب، ويشكل رافعة مجتمعية تمنع استلاب الناس كليا لها. ولهذا اختارت فصيل الخطباء، بعد أن نجحت في تصفية الأصوات السياسية المناهضة لها في عدن، ويبدو أنها تنجح في هدفها الثاني أيضا..!
منذ ثلاث سنوات على تحريرها تكاد عدن أن تجسد نموذجًا كاملًا للمدن الفاشلة، تحكمها سلطة محلية أجيرة، تعمل تحت وصاية دولة خارجية، وأجهزة أمن تدير الجريمة بنفسها، وتخوض حربًا قذرة ضد فصيل اجتماعي كبير،؛ لإحداث شلل في المجامع، وبالتالي العمل بشكل منظم على ترسيخ هيمنتها على المدينة وتفريغ الساحة من كل صوت لا يدين لها بالولاء ويشكل تهديدا مستقبليا لوصايتها أو يخلخل قبضتها على المجتمع..!
ما يحدث في عدن هو نوع من الجرائم المنهجية المنظمة، تقوم بها جهة معروفة، وتهدف إلى جانب ما سبق لحرمان المجتمع من أحد أهم مصادر الوعي الديني الفعال بعد إفراغ الساحة من الخطباء المعتدلين ذوي النزعة السياسية المستقلة ثم إحلال خطباء يتبعون الدولة المهيمنة وجاهزين لشرعنة كل أشكال الوصاية على المدينة وتخدير الناس بنوع من الخطاب الديني المعزول عن مجريات الحياة..!
37 خطيب تم إغتيالهم حتى الآن، وهذه إحصائية شبه رسمية، وأما من تعرضوا للخطف والإخفاء القسري أكبر من ذلك، ومن غادروا المدينة بدوافع النجاة بحياتهم يفوقون الـ 130 خطيب، بحسب تقارير صحفية عن الجرائم التي يتعرض لها الخطباء في عدن. نحن أمام جرائم إغتيالات قياسية لم يسبق أن حدثت في البلاد بهذه الكثافة، باستثناء جرائم الإغتيال لكوادر الحزب الاشتراكي بعد الوحدة.
شيئًا فشيئًا تغدو عدن مدينة طاردة للحياة، أشبه بخرابة كبيرة، يتسيّد فيها القتلة ويغادرها اليمنيّ النزيه أو يقتل في ليل بلا نهاية ونهار غائم بلا أفق ولا عدالة..!