أتذكر قصة جميله قرأناها ونحن أطفال ، قصة تسابق الأرنب المغرور مع السلحفاة، كان الأرنب يتفاخر بأنه أسرع الحيوانات ويعير السلحفاة ببطئها ، فقالت له السلحفاة مارأيك أن نتسابق ، فوافق ساخرا منها.
المهم نهاية القصة أن السلحفاة سبقت الأرنب المغرور ، والذي بدأ السباق وصار بعيدا عن السلحفاة فقرر أن يذهب لينام ، مطمئنا إلى أن السلحفاة مازالت في بداية السباق.
ذكرتني هذه القصة بالتحالف المغرور في اليمن وحاله الحرب مع الحوثي ، كلما فتح التحالف جبهه ، تملص منها سريعا ، فاتحا معارك جانبيه مع الحكومة الشرعية ومتربصا بالحكومة الشرعية ومكوناتها من القوى اليمنيه ، عين التحالف على الاصلاح وزناده على الحوثي ، وكأن معركته ليست مع الحوثي فقط ، يريد ان يُدخل الحوثي في عمليه سياسيه يكون جزاء منها وهذا غاية ما يهدف وبالمقابل يستهدف قوى سياسيه هي اصلا جزء من العملية السياسية، يسعى لإخضاع جماعه مسلحة تدين بالولاء لإيران الشيعيه ، ويعرقل عمل الحكومة الشرعية ويقصي فصيل سياسي سني مؤمن بالعملية السياسية، والعجيب أن عنوان حربه هو القضاء على النفوذ الإيراني الشيعي في اليمن واسترداده من مخالب النسر الشيعي إلى عشه العربي ومحيطه السني.
يمضي أرنب التحالف المغرور في فتح جروح في الجسد اليمني ثم يترك ندوبا لاتندمل ، في أخر جبهه في الساحل الغربي، صفقنا لأرنب التحالف من قلوبنا ، تمنيناه ان لايتوقف الا قرب نهاية الماراثون ، هتفنا بأعلى أصواتنا ، نحتنا له مجدا بأقالامنا، هانت أوجاعنا ومعاناتنا ، سكب الشباب دمائهم على أسوار مطار الحديده ، ومن ثم رايناه يتوقف, ويترك الدماء تنزف وخاب فيه ضننا وفعلها كما عودنا في كل مره ، وذهب بعيدا ليفتح جرحا ومعركة مع الشرعيه .
لايكف أرنب التحالف عن الحركات البهلوانيه والخفه ويمضي لتكوين مليشيات وأحزمه ناسفة في جسم الشرعيه ، وألويه عسكريه ونخُب مناطقيه تنهش في صلب الشرعيه.
و بينما تمضي سلحفاة الحوثي في تقدمها ، تتوسع دائرة التعاطف معها اقليميا من العراق إلى إيران إلى لبنان وحتى ظهرت اخيرا مجاميع ترفع شعاراتها وصور زعيمها في تركيا ، وتزداد رقعة المظلوميه والمساومه بدماء اليمنيين وجوعهم ومعاناتهم ، وأرنب التحالف مشغول بمعركه اخرى مع عبدربه والاصلاح.
لعل التقدم على الأرض اليمنيه للحوثيين ليس جغرافيا ولكنه تقدم أخلاقي ، وترسيخ لمفهوم المظلوميه وربط معاناة اليمنيين بحرب لا اخر لها ولا هدف واضح منها، غير استمرار هذا النزيف وديمومة الصراع لتنفيذ أجندة دوليه واقليميه.
يستمد الحوثي من اخفاق التحالف الاخلاقي انتصارا أخلاقيا ، ويروج من اخفاق التحالف سياسيا انتصارا سياسيا، ويتبنى الحوثي أوجاعا للناس أدماها ارنب التحالف ، هذا الأرنب المغرور سريع وخفيف في كل مايؤذي اليمنيين الا في هدف انهاء الحرب والوصول الى نهاية السباق ، بطئ وما أشد بطئه.
يكفي اننا وصلنا إلى أن تقرير الأمم المتحدة دان كل من التحالف والحوثيين بمقتل مدنيين بل وسقط على يد طيران التحالف أكثر المدنيين حسب التقرير ، ثم تأتي إحاطة مبعوث الأمين العام غيريفث التي تصب في مصلحة الحوثي.
كنا نقرأ قصة الأرنب المغرور والسلحفاه بما يناسب أفكارنا وكنا نتخيل أن ذلك التسابق حقيقيا، ونغوص في المشهد بمخيلتنا الصغيره أنذاك ولم ندرك حينها انها مجرد قصه من تأليف شخص واسع الخبره عميق الثقافه ، ملما بوسائل توصيل المعلومه ذو درايه بمخيلة الأطفال ، عالما بخصائص الحيوانات.
أدركنا بعد ان كبرنا، ونضجت افكارنا واكتسبنا خبرات في الحياه انها كانت قصه خياليه ولم تكن سوى وسيله لتوسيع مداركنا، ولفت إنتباهنا لثمرة الجد والمثابرة، وعاقبة الغرور والتكبر
ننغمس اليوم في الأحداث وبنفس حجم الإدراك والحماس ، وتسليط الأقلام والإعلام في تفاصيل مشهد السباق بين الأرنب الخليجي المغرور والسلحفاه الكهنوتيه البطيئة صاحبت الهدف الواضح ، ولعلنا سننصرف لاحقا عن التركيز والانجذاب نحو ذاك الأرنب وتلك السحلفاه ، ونفرد جزءا من التفكير ونوسع مساحة الوعي لندرك أبعاد ذلك المشهد الهائل الي غُوّصنا فيه وأستجبنا له سريعا ، سندرك أن من أوجد السلحفاة الشيعيه ثم حرك لها الأرنب الخليجي يعرف خصائص كل منها ، ودرس دراسه عميقه للبيئة التي نشأ كلٍ فيها والتأثير الديني ، والثقافه العقيمه التي تولدت كنتاج طبيعي لأنظمة شمولية لاترى غير نفسها ، تصارع الآخر ولا تقبل بقوى أو آراء أو أفكار لاتخرج عن عبائتها ، ثقافه شمولية بائسه ألّهت الحاكم وأفرغت الولاء للوطن من قداسته وساهمت في خلق ولاءات مناطقيه وطائفية متصارعه، ومزقت النسيج الاجتماعي. سندرك لاحقا كما أدركنا من قصة الأرنب المغرور والسلحفاه أن مؤلف المشهد الدامي في اليمن اليوم واحد ، وان حكام الانظمه العربيه هم وكلاء لذلك المؤلف
كانت ثورات الربيع العربي تمثل فرصه تاريخيه للخروج عن عباءة القوى الدوليه وقفازاتها وأرانبها الإقليمية وإيجاد قيادات تنبع من أوساط الشعوب ليس من كواليس المخابرات او دهاليز القصور ، قيادات تعبر عن أراده الشعوب التواقه الى الامن والسلام ، وتستمد مشروعيتها عبر عمليه انتخابيه ديمقراطيه مستنده على برامج اقتصاديه وتنمويه تلبي طموح الشعوب ، بدلا من سياسة القهر والسجون وتكميم الافواه والتعامل الامني لمواجهة تلك التطلعات المشروعه ، والثورات الشعبيه فرص نادره أن حدثت اليوم قد لاتتكرر إلا بعد عقود طويله.