خلال الأيام القليلة الماضية حدثت تطورات مهمة في اليمن، كان عنوانها الرئيسي تعز، التي تمكنت المقاومة فيها من فك الحصار عنها، والذي فرضه الحوثيون وأنصار الرئيس السابق علي عبدالله صالح منذ بداية عدوانهم على اليمن في شهر مارس/ آذار من العام الماضي، وهو العدوان الذي أسفر عن سقوط آلاف القتلى وعشرات الآلاف من الجرحى، ومزق النسيج الاجتماعي في بلد كان ينعم إلى ما قبل نشوء جماعة الحوثي، باستقرار مجتمعي كبير.
لم يسبق أن طالت حرباً في اليمن مثل هذا العدد الكبير من المدن، كما لم تحصد أية حروب سابقة مثل هذا العدد من الضحايا، ولا مثل هذا الدمار، الذي طال البنية التحتية الضعيفة أصلاً، وأدخلت البلاد في حسابات سياسية ومجتمعية معقدة، ستحملها معها لسنوات طويلة.
تمكن المقاومة في تعز من فك الحصار المفروض على المدينة يمثل نصراً كبيراً، وبإقدامها على تسليم المواقع التي حررتها من أيدي الميليشيات، إلى قوات الجيش الوطني، بما يعني ذلك تسليمها إلى الدولة، تكون قد جسدت أفضل الممارسات السياسية والعسكرية، وتكون قد تلافت الأخطاء التي وقعت فيها المقاومة في عدن، حيث تمترست خلف شعارات مختلفة، كان لها أبلغ الأثر في تأخير تطبيع الأوضاع في المدينة، التي جرى تحريرها من قبل قوات التحالف في شهر يوليو/ تموز من العام الماضي وجرى استغلالها من قبل تنظيمات وجماعة متطرفة لا تحمل الخير لعدن ولا لليمن.
تدرك السلطات اليمنية، ومعها قوات التحالف العربي، أن الأوضاع في اليمن لن تهدأ ولن تستقر، طالما أن هناك من لايزال يفكر باستثمار القضاء على الحوثيين وقوات الرئيس السابق، ليثبت أقدامه هنا وهناك، متحدياً الإرادة الجمعية لليمنيين في بلد آمن ومستقر، فالأحداث التي تشهدها مدينة عدن، والتي تزايدت في الآونة الأخيرة كشفت بما لا يدع مجالاً للشك أن الإرهاب لا يزال يمني النفس بالسيطرة على الأوضاع تحت شعارات شتى.
الخطوات التي أقدمت عليها السلطات المحلية في عدن بدك أوكار الإرهاب في منطقة المنصورة، التي تحولت إلى وكر لتجمعات خارجة عن القانون مستغلة الانتقال البطيء للسلطة في المدينة وعدم مواكبة السلطة للتطورات التي حدثت مؤخراً، كانت مطلوبة، فقد أجبر الجميع، بخاصة قوات التحالف العربي على إعادة التفكير بأولويات الحرب على الإرهاب ومن ثم القضاء عليه حتى لا يتسع ويشكل خطورة على أهل المدينة والمنطقة عموماً.
وهذه الخطوة تمثل استراتيجية مهمة لقوات التحالف العربي التي لا يمكن أن تضحي بالنجاح الذي تحقق في عدن والجنوب عموماً وفي تعز والجوف ومأرب ونهم وحرض وغيرها من المناطق التي تم تطهيرها من الميليشيات، ذلك أن التسليم بذلك سيكون بمثابة تسليم رقاب الناس إلى الإرهاب من جديد.
من هنا يجب على الجميع إدراك أن محاربة الإرهاب لا يمكن أن يتوقف، وإذا ما حصل تراجع هنا أو هناك، فذلك يعود إلى أن التحالف العربي يقود معركة في مناطق شاسعة من البلاد، لكنه لن يغفل التحديات التي تواجه الحكومة الشرعية في المناطق المحررة، وقد كانت خطوتها الأخيرة في عدن بمثابة بداية معركة ضد الإرهاب لن تتوقف إلا بالقضاء عليه، وتحقيق الأمن والاستقرار لليمن بأكمله، لأن خياراً غير ذلك يعني دخول البلاد بأكملها في أتون مواجهات شاملة لن يقتصر عليها فقط، بل ستمتد آثارها إلى المنطقة بأكملها، وهو أمر تدركه دول التحالف وتعمل جاهدة على تجاوزه بأي ثمن كان، حتى لا تفتح ممراً آمناً للإرهاب لكي يتسلل في دوله انطلاقاً من اليمن.
نقلا عن الخليج