مثل مرض حفتر ورقوده على الاسرة البيضاء خلال الفترة الماضية حالة من الانتعاش و التعافي لدى الشعب الليبي في الخروج من المأزق الذي وضعوا فيه بفعل تضارب المصالح بين عدد من الدول الطامعة في ثروات الدولة الليبية, وفي المقابل لن تكون عودت الجنرال المتقاعد على راس المشهد السياسي والعسكري في الشرق الليبي الا انتكاسة وتراجع لأمال الليبيين في انهاء سنوات من الانقسام والصراع الداخلي.
هذا الاختزال المسكون بالوهم والطافح بالغباء لدى المواطن العربي الذي لازال يؤمن بنظرية القائد الملهم خلق هذا التشوه في منطق الامور.
ليس بوسعي الان مقايضة الشعب الليبي بحفتر او الاصغاء الي نبرته ومن خلفه صوت قبيلة الفرجان كما انه لم يعد يستوقفني بقامته الفارعة فقد قصرت بالنضر الي انحناء سلوكه وافعاله، ليس بوسعي الان التصالح مع هذا الواقع الذي لم اكن طرفا فيه كما ان القبول بمبدأ المقايضة امرا لم اتدرب عليه من قبل .
انا الان أفكر بمنطق شاب ليبي حلم يوماً قبل ان يولد حفتر بدولةٍ مدنية غير ان العقيد الذي قضى نصف حياته في المنفى بعد ان ابتلعته وقواته صحراء تشاد خلال حرب الثمانينات عاد ليقيم دولته على أنقاض حلم الليبيين بالدولة.
ليس لدي مشكلة مع الجغرافيا فيما يتعلق بالحب والكره فقد جربت حظوظي ذات يوم في عبور الحدود رغم انف الشرطي العربي حين شغفت بفتاةٍ ليبية كانت على مقياس الزمن الجميل الذي منحتني اياه هذه المدينة قبل مجيء المليشيات، كانت مساءات صنعاء تبدو لي اكثر حيوية وجمالا وانا مولعُّ وغارقُّ بحب فتاة بيني وبينها الالاف الاميال.
انا هنا اضطغن في اقصى جنوب الجزيرة العربية ضد جنرال متقاعد في الشرق الليبي أطلق عليه يوماً ما رجل الهزائم ليعيش نصف عمره مختفياً وراء اخفاقاته وهزائمه قبل ان يعود الي المشهد فجأة مجرد من كل نضالات الابطال.
يخفي جنرالات الجيش خلف بزتهم العسكرية الكثير من التفاهات التي يحرصون على ابقائها بعيدة عن الاعين حتى لا تنكسر هيبتهم امام الشعوب التي يبيعون لها الوهم بأنهم حراس الوطن من الاعداء في زمن لم يعد العدو يأتي من البحر.
يعتقد حفتر واهماً ان ذاكرة الشعب الليبي مثقوبة وانهم قد تناسوا انه كان مسؤول عن هزيمة الجيش الليبي في معركة وادي الدوم وعن سقوط أكبر قاعدة عسكرية في افريقيا (القيروان) التي سلمها للتشاديين ومن خلفهم القوات الفرنسية وانه كان مسؤولاً عن قتل الالاف من الجيش الليبي الذي أقحم في معركة غير معد لها مسبقاً لذا عاد رجل الهزائم يمارس هوياته في التجارة لكن هذه المرة مع الاماراتيين الذين تمكنوا بفضله من بناء قاعدة الخروبة العسكرية في الشرق الليبي.
بوسع محمد بن زايد الان ان يضع رجل على رجل وان يقول إن الرجل الذي بُعث من قبره في المنفى قد انجز مهمته بحرافة عالية .. نحن هنا في الشرق الليبي بفضل هذا التاجر.