منذ أن انفض في الخامس عشر من شهر ديسمبر الماضي لقاء جنيف التشاوري اليمني (الثاني).. الذي ما كانت له ضرورة سياسية كـ(سابقه)، على (وقف) لإطلاق النار..
مختلف عليه بين طرفي النزاع - «المتمردون» الحوثيون بدعم قوات الانقلابي المخلوع علي عبدالله صالح، و«الشرعية» بمقاومتها الشعبية وجيشها الوطني بدعم من التحالف العربي -، وعلى فترة (تعليق) للمشاورات.. خلال إجازتي أعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية الجديدة لعام 2016م.. ليُظهر (المتمردون) خلالها صادق نواياهم في إنفاذ قرار مجلس الأمن الدولي 2216.. بـ(إطلاق سراح) من اعتقلوهم بغياً، ومن احتجزوهم واختطفوهم عدواناً من اليمنيين المعارضين لهم، وبـ(فك الحصار) عن المدن والمحافظات اليمنية كمدينة (تعز) الباسلة، وبـ(بدء تفكيك) مواقعهم ومعسكراتهم التي أقاموها في العاصمة (صنعاء) و(تعز) و(الحديدة).. كإشارة تمهيد لانسحابهم وعودتهم إلى (صعدة) اتفاقاً مع قرار مجلس الأمن.. كنت واثقاً من أن دورة مشاورات جنيف اليمنية (الثالثة).. لن تعقد كما كان مقدراً لها في الخامس عشر من يناير الماضي، وكما كان يبشر بها مندوب الأمين العام للأمم المتحدة لمتابعة إنفاذ المبادرة الخليجية والانتقال السلمي للسلطة في اليمن: السفير إسماعيل ولد الشيخ أحمد، وكان مبعث ثقتي.. في عدم انعقاد دورة جنيف الثالثة، هو أن السفير ولد الشيخ أحمد.. تصرف تصرفاً غريباً (مريباً) منذ البداية.. منذ مشاركته في أعمال مؤتمر الرياض - في شهر مايو من عام 2015م - الذي مثّل ظهوره الأول في ساحة الأزمة اليمنية، لمناقشة التمرد الحوثي/ الصالحي.. والانتصار لعودة الشرعية اليمنية ممثلة في شخص الرئيس عبدربه منصور هادي وحكومته الوطنية.. حيث قفز ساعتها فوق إعلان مؤتمر الرياض وبيانه الختامي وهو يدعو (الطرفين).. إلى لقاء تشاوري في جنيف (الأول) دون شروط مسبقة.. وهو يساوي بين (الطرفين): الشرعية بـ (حقها) الدستوري المؤيَّد من قبل اليمنيين قاطبة، و(المتمردين) بـ(باطلهم) الذي انتصر له الانقلابي المخلوع علي عبدالله صالح بـ(أمواله) التي نهبها من الشعب اليمني، وببقية نفوذه على القوات المسلحة اليمنية.. وهو أمر كان ينمّ وبكل أسف عن واحد من اثنين: إما جهل السفير إسماعيل.. بـ(المبادرة)، وما بذل خلال عاميها الشاقين الطويلين.. حتى أمكن الوصول بعدهما إلى مخرجات الحوار الوطني اليمني الشامل الذي رسم طريق مستقبل اليمن ووحدته الفيدرالية.. إن أحسنا الظن به!! وإما عن قصد.. وسوء نية مبيتة!! وهو ما تكرر منه.
عند الدعوة التشاورية (الثانية) في جنيف، والتي بدأت فكرتها بعد أن قدم الوثيون.. خطاباً في سبتمبر الماضي إلى الأمين العام للأمم المتحدة (بان كي مون).. يعترفون فيه خطياً بقرار مجلس الأمن (2216)، وأنهم ملتزمون بإنفاذه.. وأنهم مستعدون لجلسة تشاورية (ثانية) في جنيف لوضع آلية إنفاذه.. ربما بنصيحة منه، ليقرر ولد الشيخ إسماعيل بعد أيام قليلة من انعقادها تعليق جلساتها إلى ما بعد إجازة أعياد الميلاد ورأس السنة.. وعلى وجه التحديد إلى منتصف شهر يناير الماضي، وهو ما تقاعس عن تحقيقه، وفتح الباب - في المقابل - بالاتفاق مع السفير الأنجولي -رئيس مجلس الأمن لشهر مارس- أو بدونه: (إسماعيل جاسيرمارتنيز)، بالتحرك.. لإصدار قرار جديد يزيح القرار 2216، الذي لم يعجب المبعوث الأممي (ولد الشيخ أحمد).. منذ بداية دخوله إلى ساحة الأزمة، والذي تتمسك به الشرعية اليمنية وتطالب بـ(تنفيذه) قبل أي تفاهمات أخرى.. عندما تحدث باسم أعضاء مجلس الأمن قائلاً: بـ(إن الدول الأعضاء بدأوا بحث مشروع قرار حول الوضع الإنساني في اليمن)!! سيركز (على ضمان عدم استهداف المؤسسات الطبية).. إضافة إلى (الدعوة لوقف لإطلاق النار).. وهي دعوة ظاهرها إنساني نبيل، وباطنها انقلابي فعلي على القرار 2216، كشفها السفير السعودي لدى الأمم المتحدة (السفير عبدالله يحيى المعلمي).. عندما قال: بـ(إن مارتينيز تجاوز مهامه كرئيس للمجلس، وبدأ يعبر عن موقفه الشخصي)!! لأن (صدور قرار جديد سيعزز جانب الحوثيين في رفضهم الانصياع لقرار مجلس الأمن رقم 2216).. فكان من حسن الحظ.. أن أيد الموقف السعودي مسؤولو العمليات الإنسانية في اليمن، التابعين للأمم المتحدة.. بل والسفير إسماعيل ولد الشيخ أحمد مندوب الأمين العام للأمم المتحدة نفسه.. ربما كجزء من تمويهاته ومراوغاته التي أدت في - حتى الآن - إلى تعثر إنفاذ قرار مجلس الأمن 2216، الذي أجمع عليه أعضاء المجلس الخمسة عشر جميعاً.. من دائمي العضوية وغير دائمي العضوية به عند اتخاذه في أوائل عام 2015م..!!
الآن.. وبعد فشل مشاورات جنيف اليمنية الثانية، وعدم انعقاد مشاورات جنيف اليمنية (الثالثة)، ووسط هذا اللغط الذي أثاره رئيس مجلس الأمن الأنجولي لهذا الشهر.. عن احتمال صدور قرار جديد عن المجلس.. حول اليمن.. فإن الفرصة ما تزال مواتية للمندوب الأممي لـ(اليمن): السفير إسماعيل ولد الشيخ أحمد.. لترميم أخطائه في الدعوة لمشاورات جنيف اليمنية الأولى، وفيما انتهت إليه إدارته السلبية.. لمشاورات جنيف اليمنية الثانية، وتبرئة ساحته - على الجانب الآخر - من (الاتهام) الذي يكال له بأنه كان في مهمته اليمنية، التي أسندها إليه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون.. (حوثياً) بأكثر منه أممياً أو يمنياً.. لو أنه طلب من الأمين العام أو من مجلس الأمن نفسه ساعة استماع، ليستمع أعضاؤه خلالها.. لأحدث تقاريره عن اليمن، وواقعه اليوم.. بعد مرور عام على عاصفة الحزم، وأكثر من عام على اجتياح الحوثيين، وعودة الحكومة الشرعية إلى النصف الجنوبي من اليمن.. واستقرارها في عاصمتها المؤقتة (عدن)، وأن هناك معارك طاحنة تجري بين الجيش الوطني والمقاومة الشعبية من جانب والمتمردين وميليشيات صالح.. من جانب آخر.. لتحرير (تعز)، وأن هناك حشوداً برية وبحرية وجوية أخرى.. يجري إعدادها انتظاراً لـ(معركة) تحرير صنعاء القادمة.. على يد (الشرعية) اليمنية ومقاومتها الشعبية وجيشها الوطني مدعومة من قبل التحالف العربي، قد لا تُبقى من (اليمن) الذي عرفه السياسيون والدبلوماسيون والسياح.. إلا صورته التي كانت في مخيلتهم قديماً.. وصولاً منه إلى استصدار (قرار تكميلي) من المجلس لقراره السابق رقم 2216، يضع آليات لإنفاذه.. خاصة وأن قرار (2216) صدر تحت البند السابع، وهو ما يتيح للمجلس استخدام جميع الوسائل.. لـ(إنفاذه)، سواء بإرسال قوات حفظ سلام أممية لـ(اليمن).. أو إرسال هيئة رقابة أممية محايدة، تتولى الاستلام من الحوثيين وتشرف على انسحابهم من (صنعاء).. شيء كذلك الذي كان يفعله سلفه السفير جمال بن عمر.. مع مجلس الأمن وأعضائه.. ببراعة وكفاءة واقتدار.. وإلى الحد الذي استطاع معه حمل المجلس.. بكامل أعضائه في الثالث والعشرين من يناير من عام 2013م إلى (صنعاء).. لعقد اجتماعه فيها لأول مرة في تاريخه وتاريخ اليمن، لإقناع المترددين - من المعارضة - للانخراط في أعمال مؤتمر الحوار الوطني اليمني الشامل، الذي رسم عبر لجانه - التسع- بعد ذلك خريطة ختام المرحلالانتقالية، التي اعتسفها الحوثيون واغتالوها بـ(جهلهم)، وبـ(محدودية) معرفتهم السياسية، وبـ(أجندتهم) المذهبية التي ظهر فيما بعد.. أنها ملاذهم الأول والأخير..!!
إن (العناد) الحوثي/ الصالحي الذي استمر طوال الثمانية عشر شهراً الماضية.. ابتداءً من لحظة اجتياح الحوثيين لـ(العاصمة) صنعاء وما أعقبه من تمثيلية التوقيع على (اتفاق السلم والشراكة) في الواحد والعشرين من شهر سبتمبر ما قبل الماضي.. وإلى يومنا هذا.. سيستمر حتماً!! لأنه.. وفي غياب شرعيتهم الوطنية، وفي غياب عدم الاعتراف بهم عربياً وبحركتهم.. فإنه لم يعد أمامهم من سبيل غير الاستمرار في هذا العناد، الذي لم يعد يتمثل في استمرار استيلائهم على السلطة بـ(القوة).. بقدر ما أصبح طوق نجاة لحياتهم، ولذلك هم أقرب اليوم إلى (مبدأ) ما انتهى إليه حليفهم من قبل: (عليَّ.. وعلى أعدائي)..!!
ولذلك فإن الحاجة لقرار (تكميلي) من مجلس الأمن يوضح آليات تنفيذ القرار 2216.. تصبح أكثر من ملحة لإنقاذ اليمن من (هلاكه)..!! على يد هؤلاء الذين اتضح.. أنه لم يعد يهمهم إن عاش اليمن أو هلك.. ممن باعوا أنفسهم وحياتهم، وتاريخهم لـ(الشيطان)..!!
نقلا عن صحيفة الجزيرة السعودية