لو كان الإصلاح حزبًا مراهقًا؛ لأرهقكم أكثر مما تتصورون، لو كان تنظيمًا انتهازيًا لما استطعتم أن تشبعوه، لو كان يشتغلّ بخساسةٍ وأنانية_مثل الكثير_لما تمكنتم من السيطرة على جموحه ومطالبه.
كلّ هذا النهيق المتصاعد ضدّ الحزب وبأنه خلف كلّ شاردة ووارده وهو زاهد وقنوع، فكيف لو كشّر التنظيم عن أنيابه وتعامل بالمثل، وبالشكلّ الذي تتوهموه في رؤوسكم..؟!
بالأمس شارك أعضاء من الإصلاح كأفراد مثل باقي الناس، شاركوا في حراكٍ مجتمعي؛ لمناهضة الطبخة الجديدة والملوثة لتحرير تعز، خرج أسر الشهداء والجرحى يعبرون عن رفضهم القبول بضابط ملوث بدماء أهاليهم؛ لأن يكون منقذًا لهم، خرجوا وسواء كان خروجهم بدافع عفوي أو منظم؛ فذلك حقهم، الأهم أنهم فعلوا ذلك لحراسة دم الضحايا وحماية مكتسبات الثورة والمقاومة ومنع العبث بنتائج النضال، وما هي إلا ساعات من خروجهم حتى برز أمامك حشد من المتبطلين والمناضلين ذوي المواقف السائلة، برزوا جميعهم؛ لابتزاز كلّ أولئك المناهضين للتسويات المشبوهة وقذفهم بتهمة الإنتماء، توقف الجميع عن نقاش مبررات الحراك المجتمعي ومدى منطقيته، واكتفوا برمي الخارجين بتلك التهمة المعلبة: أنتم الإصلاحيين حقودين، ولا تريدون أحد جواركم، هكذا مباشرة وبخفة تحول نضال الناس لمجرد أحقاد شخصية، يقف الإصلاح خلفها كما كلّ مرة، ويا له من عجب كبير..!
صار الإصلاح هو النظرية الجاهزة التي يفسر بها الجميع كلّ شيء ومع كلّ الحلم الذي ينتهجه الحزب إزاء خصومه؛ إلا أنه_على ما يبدو_لن ينال رضاهم أبدا. ولست أدري ما الذي كانوا سيصنعوه لو أنه اشتغل بنزق مثلهم، وبادلهم الخفّة ذاتها..!
وتظلّ مشكلة الإصلاح دومًا أنّه يبالغ في سلوكه السياسي الحليم للدرجة التي يفرط فيها بمستحقاته الطبيعية، هو يفعل ذلك بدافع ضروريات المرحلة وتحاشي الصدامات أكثر، يتقبل الفتات لتفويت الفرصة على من ينتظرون منه أدنى فعل جشع؛ كي ينهالوا عليه، وحين يجدونه ذاهبًا في زهده وحلمه حتى النهاية؛ يلجأون لابتزازه حتى في أكثر نشاطاته شرفًا ومجد، وما ضجيج الأمس حول وقوفه خلف مظاهرات رفض طارق عنكم ببعيد، مع كون عملٍ كهذا يمنح الإصلاح صفة الحارس الأخلاقي لقيم الثورة والمقاومة، وذلك شرف كبير له، يمنحه له الخصوم بالمجان..
طبعا، هذا إذا سلمنا جدلًا بأنه هو من يقف خلفها بشكلٍ منظم، وليست نضالا شعبيًا عامًا خرج فيه الكثير من مختلف التيارات؛ لكن المتربصين لا يرون سوى الإصلاح ولا يتصيدون سواه، وهم في حالة كهذه يبرزونه في موضع شرف ولو حاولوا توظيف الأمر بشكلٍ مدجن، إلا أن المرء يمكنه تمييز من هم المدجنون في وضع كهذا، ومن هم الذين تقبلوا الالتقاء مع الجلاد في المنتصف ممن انبروا للصراخ في وجه واحتفظوا بالحلم نظيفًا كما خرجوا من أجله أول مرة.
لا تبتئسوا إذا، فكلّ هذه الصرخات الناقمة ستتلاشى مع الريح، وفي المستقبل القريب، سيتولى التأريخ الفصل في الأمر وتقييم سلوك اللحظة بناءً على النتيجة التي ستكون بين أيدينا، حينها سوف يتأكد الجميع هل كان الإصلاح أنانيًا وحقودًا عندما وقف ضدّ المهزلة التي يراد تمريرها اليوم أم أنكم كنتم مدجنين وعلى بصيرتكم غشاوة حين فرطتم بتضحياتكم، وتواطئتم ضد مصالحكم بدافع الوهم الذي سكن أذهانكم يومها وصدقتم بأن الإصلاح يقف خلفه..!