الحرب في اليمن لم تعد حرباً ضد الانقلابيين، بل حرب ضد اليمنيين أنفسهم، وضد سلطتهم الشرعية وضد الجيش الوطني الذي يقاتل جزء منه ويموت في الحد الجنوبي للمملكة العربية السعودية، على نحو يجعلنا نثق بأن اليمن قد وقع بالفعل ضحية تدخل عسكري يبدو أكثر من أي وقت مضى عدوانياً وغاشماً ومنفلتاً من القيود.
خرج نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية أحمد الميسري وهو أرفع مسؤول في الحكومة اليمنية الشرعية لا يزال يتواجد في عدن، بتصريح لإذاعة فرنسا الدولية أكد فيه على نحو لا لبس فيه، أن الإمارات هي من يقف ضد عودة الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي إلى العاصمة السياسية المؤقتة عدن، وزاد على ذلك أن أشار إلى أن التحالف والإمارات يُعطلون مهمة الأجهزة الأمنية والاستخبارية، ويوكلون مهام هذه الأجهزة إلى عناصر غير مدربة ما يتسبب في تجاوزات خطيرة.
إن جزءا من الحرب التي يخوضها "تحالف الرياض- أبوظبي" في اليمن تتم تحت غطاء المواجهة مع المتطرفين الاسلاميين، وهو مفهوم صاغه الغرب بحيث لا ينطبق سوى على الإسلام السني ومن ينتمون إليه، وزد على ذلك أن ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد الذي يحمل لواء هذه المواجهة وبالتبعية ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، لا يترددان في الحديث عن أن هؤلاء المتطرفين ليسوا سوى الإخوان المسلمين، وبخصوص اليمن فإنهم يعتبرون التجمع اليمني للإصلاح - وهو أحد الأحزاب المدنية الرئيسية في البلاد- الواجهة السياسية لهذه الجماعة.
لذا تتجه الحرب اليوم نحو أهداف مختلفة تماماً وتبدو كلفتها عالية للغاية وغامضة وغير محددة الأفق وكارثية في نتائجها النهائية، على ضوء الترتيبات الميدانية التي تكرس واقعاً منقسماً فوضويا وتحول اليمن إلى فضاء للاستعراضات المسلحة من قبل فصائل جرى تشكيلها خارج نطاق الدولة اليمنية وتحمل أجندات انفصالية ومشاريع سياسية كارثية للبلاد والمنطقة.
ثمة تصور خاطئ يروجه الأمير محمد بن سلمان، منذ أن بدأ السير في الطريق الشاق المؤدي إلى السلطة والملك في السعودية، وهو أن الإخوان المسلمين أخطر من داعش والقاعدة ومن الحرب الباردة أيضاً، ولكي يجعل كلامه منطقياً استدل على ذلك بقرارات اتخذتها بلاده وكل من الإمارات ومصر قضت باعتبار الإخوان المسلمين منظمة إرهابية، ولا يجهلن أحد أن هذه الدول لا يقاس على إجراءاتها القمعية سلوك أو ممارسات.
يهرب الأمير محمد بن سلمان، عبر هذا التصور، من إرث دولة جده وأعمامه الدينية التي نشرت خلال الشطر الأعظم من القرن العشرين المنصرم التطرف والغلو والتشدد وأجهضت طموحات الشعوب في البلدان العربية والإسلامية في بلوغ الحرية والديمقراطية والاستقرار والرفاه الاقتصادي، وكان اليمن ضحيتها الأولى بكل تأكيد.
استثمرت السعودية ضمن برنامج الصحوة الإسلامية مليارات الدولارات لتعميم التجربة الوهابية المتشددة وتصديرها إلى العالم، والتي كان جزء منها قد صُمم بناء على اتفاق مشترك مع الولايات المتحدة اقتضته ظروف الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي.
لم أكن لأهتم بتصريحات الأمير محمد بن سلمان، بشأن الإخوان المسلمين، لولا أنها تلقي بضلالها على الوضع في بلدي اليمن، الذي يقع ضحية هذا التصور الخاطئ ويدفع ثمناً باهضاً من دماء أبنائه واستقراره ووحدته.
فولي العهد السعودي يصر في كل لقاءاته مع الصحافة الغربية على أن تدخل بلاده العسكري في اليمن منع قيام تنظيم داعش آخر في هذا البلد، وهي الأولوية الأمنية التي تتفق مع الأجندة الغربية، لكن أولويات الشعب اليمني هي استعادة دولته الاتحادية الديمقراطية ضمن مسار انتقالي يتشارك فيه اليمنيون، وبناء الدولة وفق ما تم التوافق عليه في مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وإذا كان هناك خطر إرهابي فلا يمكن مواجهته إلا بواسطة دولة قوية تستند إلى قاعدة عريضة من الرضا المجتمعي.
وهذه الدولة ونظامها الديمقراطي التعددي ليسا إحدى أولويات الرياض وأبوظبي اللتين تهربان على ما يبدو إلى الإمام من استحقاقات التغيير السياسي فيهما عبر الادعاء بأنهما يتجهان نحو تأسيس نظام علماني، لا بصفته وصفة ديمقراطية شاملة، بل بصفته أيدولوجية أو قل ديناً متطرفاً آخر يجري إحلاله في المنطقة محل الدين الذي يصمه الغرب بالإرهاب، وذلك عبر وسائل القمع الديكتاتورية نفسها التي ساهمت في تكريس تدين متطرف ندفع ثمنه حتى اليوم.
لذا سيمضي هذان البلدان قدماً نحو بناء دور السينما والمسارح في المدن السعودية والإماراتية، وسينظمان المزيد من الحفلات الموسيقية على أمل إقناع الغرب بإنهما لم يعودا بلدين متطرفين سياسياً ودينياً، لكنهما بالتأكيد على اتفاق تام بشأن إبقاء اليمن، الجاهز عملياً لتبني القيم الديمقراطية، بلداً ممزقاً وغارقاً في العنف ومسرحاً لتصفية الحسابات الإقليمية، ولكي يقدما كذلك أنموذجاً على سلوكهما المناهض لما يسمى بالإرهاب.
* عن عربي21