في مصر، خلال السنوات الأخيرة، ظاهرة دينية اسمها الشيخ علي الجفري، وهو مواطن يمني يحمل الجنسية الإماراتية، وأنشأت له الإمارات مركزا دينيا بحثيا في أبو ظبي بإنفاق باذخ جدا، يروج لسياساتها في المنطقة، ويدافع عن مصالحها، ويهاجم خصومها، وهذا حقها كدولة توظف إمكانياتها لخدمة مصالحها وأمنها القومي، فالسوق مفتوح على مصراعيه في هذا الجانب.
ولكن الأمر المدهش هو الحضور المتزايد والغريب والطاغي لهذا الشيخ الإماراتي في مصر، إعلاميا ومؤسسيا أيضا، الجفري حضر اليوم الندوة التثقيفية للقوات المسلحة بمناسبة يوم الشهيد والتي حضرها الرئيس عبد الفتاح السيسي، وكان المتحدث الديني الرئيسي والوحيد فيها، وخطب خطبة حماسية أعلن فيها دعمه للجيش المصري وتأييده لمعاركه التي يخوضها ضد الإرهاب ودفاعا عن الوطن ضد من أرادوا اختطاف الدين، وحيا الشهداء ووصفهم بأنهم من يدافعون عن العرض والمال والأهل وأن الشهيد حي لا يموت بآثار أعماله الباقية وأنه أقرب لمنزلة الأنبياء وأنه يشفع في أربعين من أهله، وكل هذا كلام طيب ومشكور من أي شخص يقوله، غير أنه كلام نمطي مكرر مئات المرات هنا من آلاف الخطباء والعلماء والأئمة ورموز الدين، في المساجد وعلى منابر الجمعة وفي الندوات المختلفة، فهل نحن بحاجة استثنائية لعلي الجفري لكي يحدثنا عنه في بلدنا وعن أبنائنا وعن مصالحنا.
ولا أعرف وجها للياقة السياسية أو الدينية لأن يتدخل علي الجفري أمام رئيس الجمهورية في شأن مصري خالص، وهو الانتخابات الرئاسية، لكي يقول إنه لا بد أن يحتشد الناس فيها للتصويت والمشاركة وأن حق الشهيد على المواطنين أن يذهبوا إلى الانتخابات، ما هذا الهراء الكلامي الذي يسيء للدين والوطن معا، ما دخلك أنت أيها الشاب المعمم في الشأن الوطني والسياسي المصري، ما الذي يحشرك في سياسات الدولة واختيارات الشعب، من فوضك بأن تخوض في هذا الأمر، بغض النظر عن قيمة ما تقول أساسا أو تقييمه في نفسه.
على الجفري له حضور شبه ثابت أسبوعيا في التلفزيون الرسمي للدولة، فضلا عن القنوات المصرية الخاصة التي لها صلة خاصة بالإمارات، ويظهر الشاب المعمم على الجفري على الإعلام المصري أكثر من ظهور شيخ الأزهر نفسه، ناهيك عن عشرات العلماء الكبار من هيئة كبار العلماء، وبالمناسبة ففي مصر هيئة دينية كبرى، هي هيئة كبار العلماء، فيها حوالي سبعة وعشرين عالما دينيا من أصحاب المقامات الرفيعة، لا يوجد أحد منهم يظهر على الإعلام المصري إلا ربما مرة كل عدة أعوام، بينما هذا الشيخ الإماراتي يظهر كرمز ديني وعلمي على الشعب المصري بشكل أسبوعي، وأحيانا في الأسبوع أكثر من مرة وفي أكثر من شاشة وصحيفة، فما هو السر؟.
لا أحد يعرف بالضبط ما هي الدرجة العلمية التي يحملها الشاب علي الجفري، لكي تسمح له بالفتوى في الدين وأن يعطي دروسا للشعب المصري ولأبنائنا ضباط وجنود القوات المسلحة ورجال الشرطة، ومن أي الجامعات المعروفة حصل على درجته العلمية وفي أي تخصص علمي نالها، لكن الذي أعرفه يقينا أن أقل عالم من هيئة كبار العلماء في مصر هو أعلى مقاما وقيمة وعلما من الجفري، بل إن الجفري لا يرقى لأن يكون تلميذا لبعضهم، فلماذا ندير ظهرنا لعلمائنا الكبار الأفذاذ الذين نشروا العلم في ربوع الدنيا، ونأتي بهذا الشاب لكي نصنع منه نجما دينيا وعالما يتصدر الحديث في المجالس الكبرى وأمام رئيس الجمهورية وكبار القادة ناهيك عن أن يوجهنا سياسيا لما يجب أن نفعله كمواطنين مصريين.
الجفري ليس رمزا دينيا علميا كبيرا واستثنائيا لكي نوسع له في إعلامنا على حساب كبار علماء مصر وأئمتها، كما أن علماءنا ومشايخنا أولى بدم أبنائنا الضباط والجنود وشهدائنا البررة، وليست النائحة الثكلى كالمستأجرة ـ كما يقول العرب ـ وهم أولى بالحديث عن الوطنية المصرية، أبناء مصر يتحدثون عن وطنهم، وعلماء مصر يخاطبون أبناءهم أبناء قواتهم المسلحة ويشحذون هممهم للبذل والتضحية والعطاء، والمسألة الدينية حساسة، خاصة عندما تكون على حساب أساتذة للجفري وعلماء لا يطاولهم مقاما ولا علما ولا تاريخا ولا حتى قدرة على الخطابة، فإن يتم تصديره في اللقاءات الأكثر أهمية وفي الندوات الرفيعة التي يحضرها رئيس الجمهورية دون غيره فهي مسألة تطرح علامات استفهام عن سر تلك المجاملة غير المنطقية.
*نقلا عن المصريون المصرية