ما كان للسعودية والمتحالفين معها أن يواصلوا عدوانهم على اليمن وشعب اليمن لولا أن العالم استهتر بأهل اليمن ولم يقم لهم اعتبارا كأناس لهم احترامهم ولهم الحق في الحياة كباقي الشعوب.
منذ بداية العدوان وأغلب دول العالم لا تعير انتباها للحرب على اليمن، ولا تتخذ أي إجراء ضد التحالف السعودي لوقف العدوان، أو التخفيف من جبروته على الأقل. وجدت السعودية نفسها طليقة اليد لتعبث باليمن كيفما تشاء، ولم تسمع أصواتا تنادي بوقفها عند حدها وإنهاء الحرب.
وبالرغم من مرور حوالي ثلاث سنوات على الحرب والتدمير والتخريب والقتل وهدم البيوت والمؤسسات، تستمر السعودية بعدوانها ويستمر العالم في صمته، وكأن اليمن يعيش في رخاء ونعيم.
حتى وباء الكوليرا لم يحرك العالم. المفروض أن يشكل الوباء دافعا لكل الدول من أجل محاصرة الحرب، والاعتناء بالأوضاع الصحية اليمنية لأن الوباء لا يقف عند حدود، والمفروض منطقيا وعلميا أن السعودية أول من يجب أن ينتبه إلى الوباء وتتخذ الإجراءات المناسبة للقضاء عليه بالتعاون مع الدول المعنية ومع منظمة الصحة العالمية.
لكن السعودية لم تكترث ربما لأن الكوليرا تفتك أولا بأطفال الفقراء والمساكين الذين يعيشون حياة ضنكا مفتوحة أمام الأمراض. وإذا كان لأطفال الفقراء أن يجدوا رعاية جادة، فإن على أهاليهم الرجاء من الله بنشر المرض بين أطفال الأثرياء. العالم يتحرك إذا انتقلت المصيبة إلى بيوت الأثرياء والمتنفذين عموما.
التجربة اليمينية تثبت ما أثبته التاريخ في حالات كثيرة جدا قديما وحديثا أن المال فوق المبدأ وفوق حقوق الإنسان، وأن من يجري وراء المال لا يهمه لمن ينافق وإنما تهمه جيبه فقط.
الحالة اليمنية تقول إنه لو لم تكن السعودية ثرية وذات مال وفير لما تم تجاهل عدوانها ولما تساوقت معها دول كثيرة وامتدحت أفعالها الحربية وشاركت فيها.
للولايات المتحدة مصالح لدى السعودية، وهي التي دأبت على استنزاف الثروات السعودية من خلال صفقات الأسلحة واستقطاب الاستثمارات إلى داخلها هي، وتصدير مختلف أنواع المتع الاستهلاكية المعوية وغير المعوية.
والدول الأوروبية الغربية تتطلع دائما إلى السوق الخليجية وبالأخص السعودية، وإلى الاستثمارات التي يمكن أن توظف آلاف العمال وتشغل العديد من المراكز الصناعية والسياحية. هذه دول لها مصالح مالية واقتصادية، وتبقى مصالحها فوق قضايا حقوق الإنسان وحقوق الأطفال والنساء.
حتى أن روسيا والصين والهند لا تقوم بما يجب دفاعا عن أطفال اليمن وعموم أهل اليمن. دخلت روسيا على خط المصيبة تتساءل عن إمكانية الحوار، لكن دورها بقي هامشيا.
والصين لم تفعل شيئا. أما الدول الإسلامية والعربية فمشغولة جدا بالنفاق للسعودية طمعا ببعض الملايين من الدولارات، أو بآلاف البراميل المجانية من الذهب الأسود.
لو كان دم إسلامي يجري في عروق هذه الدول لتحركت قليلا في أروقة في جامعة (أو مفرقة) الدول العربية، ومنظمة الدول الإسلامية.
والهيئات الدولية لم تدخل على خط الأزمة إلا من خلال مناشدات إنسانية لفتح المعابر لكي تتمكن من إيصال الطعام والدواء.
الأمم المتحدة لم تحرك ساكنا، ومجلس الأمن الدولي لم يجتمع لا لبحث الأزمة ولا لإدانة العدوان الذي يرتقي إلى جرائم حرب ضد الإنسانية. روسيا والصين لم تتحركا لإدخال الأمم المتحدة على أجواء الجرائم، ولا إيران تقدمت بطلبات لتحريك المنظمة الدولية.
وجمعيات حقوق الإنسان العالمية بطيئة ومرعوبة من الانتقام المالي الذي يمكن أن تمارسه السعودية، وجمعيات حقوق الإنسان العربية منافقة للأنظمة العربية كما هو معروف.
بقي أن يتحرك من لديه القدرة والرغبة على الحركة نحو دول البريكس علّ وعسى أن تمارس ضغوطا باتجاه إيقاف الحرب وتغريم السعودية على كل ما خربته في اليمن.
المال يحظى باحترام على الساحة الدولية أكثر بكثير من الاحترام الذي يحظى به أطفال اليمن. أطفال اليمن قد يكلفون من يقف معهم مالا ثمنا لمساعدات قد يتم تقديمها، لكن النفاق مجز ويعود بالنفع على جيوب المسؤولين.
وفي هذا صرخة كبيرة في وجه هذا العالم الذي يتاجر فقط بحقوق الإنسان عندما تكون للتجارة منفعة، ويقذف بها بعيدا عندما لا تكون تجارة رابحة. هذا عالم منافع وأرباح ومصالح مادية، وهو يتسلح دائما بالنفاق والكذب والدجل والنصب، وأحيانا بالسلاح الفتاك من أجل المكاسب.
لا بكايات لليمن ولأطفال اليمن. لكن من الممكن أن تحرك بعض الأحزاب العربية المياه الراكدة فيما يتعلق بحقوق أطفال اليمن.
هناك أحزاب في تونس والجزائر والمغرب والعراق ولبنان يمكن أن تنشط وتدفع باتجاه تحريك بعض الشارع العربي والتأثير في المحيطين العربي والعالمي. فهل ننتظر من هذه الأحزاب لقاءات ومؤتمرات وندوات تبثها وسائل الإعلام حرصا على أطفال اليمن ودعما لهم؟
الخسائر التي تلحق بأطفال اليمن لا تؤثر في الوضع اليمني فقط، وإنما في الكل العربي. من المفروض أن يكون هؤلاء الأطفال رصيدا للأمة العربية جمعاء، وأن يكونوا جميعا في رعاية الأمة العربية وضمن حراستها.
ننظر إلى دول أوروبية عديدة احتضنت بعض أطفال سوريا ومشرديها لأنها تنظر إلى مستقبلها الذي يصنعه الناس المنتجون والقادرون على حماية قوانينها والدفع باتجاه تحقيق أهدافها، وننظر إلى أنفسنا ونحن نعبث بمستقبل أطفالنا.
*عن عربي21