يبدي كثير من النشطاء اليمنيين غضبهم إذا ما تحدث زملاؤهم عن الحوار مع الانقلابيين في صنعاء كواحد من الحلول المطروحة لإنهاء الأزمة السياسية وبالتالي الإنسانية التي تعصر في دوامتها ثلاثين مليون يمني منذ ثلاث سنوات.
وهذا الغضب يظهر كما لو كان أغنية جماعية يؤدونها بإتقان كلما سمعوا صوت "طبل" يدعوهم إليها لكنها أغنيتهم هذه تتضمن الشتائم والاتهامات بدلا عن الألحان، وما أن يظهر صوت داع للحوار حتى يتقافز إليه جنرالات الفيسبوك غاضبين وكأنهم كانوا على وشك تحقيق النصر لولا مقاطعته لهم وإشغالهم بصوته عن التركيز في معركتهم، مع أن أغلبهم من أشد ضحايا الحرب تضررا، وأكثرهم عجزا عن مواجهتها.
قناعتي أن الحوار طريق إجباري، وأنه مهما طال أمد الحرب فإن الحوار هو نهاية الطريق، هذا من حيث المبدأ، ولكن لا يمكن أن يخضع الحوثي للحوار مادام يعتقد أنه قادر على أن يحكم بمفرده ولو حتى مديرية واحدة، وتجاربنا معه كيمنيين تدل على أنه سيظل يمسك بالبندقية مادام في مخزنها رصاص.
الحوثي خيار انتحاري، لا يأبه لحياة الناس، ولا للدمار الذي يمكن أن يلحق بالبلاد، بل إنه لا يمانع أن يخوض الحرب حتى لا يبقى في أي مكان من اليمن حجرا على حجر، وما يجب أن يحدث هو تجريده من الجنود المجانيين الذين يقودهم بإمكانيات الدولة.
تحرير الناس من الحاجة إليه أو الخوف منه على أرزاقهم أولا وقبل أي شيء، يجب أن يكون خيار الولاء للحكومة الشرعية هو الخيار الأفضل، أن يشعر المواطن بأنه سيكسب إن كان في هذا الصف، وأن المستقبل مع الحكومة الشرعية، وأن حكومة الطائفة إلى زوال.
إذا حصل كل موظفي الدولة على رواتبهم من الحكومة الشرعية، فإنهم بلا شك سيكون ولاؤهم للحكومة الشرعية، باستثناء بعض الحوثيين العقائديين، الذين سيكون أمامهم خيارات محدودة، إما أن يكونوا حوثيين متمردين أو أن يكونوا مواطنين صالحين، أو أن يعودوا لممارسة التقية، وفي كل الأحوال لن تكون الحال بالسوء التي هي عليه والمواطن يطلب راتبه من الحوثي ويشتري البترول من الحوثي ويدفع الضريبة للحوثي، ويسمع الحوثي في الراديو الرسمي، ويراه في التلفزيون الرسمي، ويسمي الحوثي نفسه "الجيش والأجهزة الأمنية"
ولكن، تبدو هذه الآمال صعبة المنال فإذا ما ولينا وجوهنا شطر الشرعية ونظرنا إلى عوامل قوتها في هذه الحرب، باستثناء أنها شرعية ومعترف بها دوليا، فليس لديها حتى الآن ما يدل على أنها حكومة، فضلا عن أن تكون حكومة في حالة حرب، معنية بتحرير عشرين مليون مواطن محشورين في أقل من ثلاثين بالمائة من الجغرافيا.
يراهن كثير من اليمنيين على الشرعية ويقدمون في سبيلها كل ما يستطيعون من مال وجهد ودم، لكنها لا تقابل تضحياتهم هذه بما يناسبها من الوفاء والجهد لتحقيق الهدف، بل تبدو جثة ميتة تتغذى عليها طفيليات لا تعقل .
طالما بقيت هذه الحكومة "الشرعية" تعاني من أزمة في تسليم مرتبات الموظفين وتعجز عن علاج جرحى الحرب، وتغلق المطارات المدنية في وجه الملاحة الدولية، ويتحكم بقرارها ضباط وعناصر مخابرات دول التحالف، بما يناقض أهداف التحالف المعلنة، وتتنازل طوعا لحكومة الانقلاب عن مظاهر الحكم والسيادة فلا يمكن الحديث لا عن حوار مع الحوثيين ولا عن حسم !
ما يحدث الآن هو أسوأ من الدعوة للحوار مع الحوثي، ما يحدث هو اعتراف مجاني بأن استخدام القوة هو طريق مناسب للوصول إلى السلطة، والبقاء فيها .