هل هناك فرق بين شعار المسيرة القرآنية الذي ظهر بوضوح في اليمن بداية العقد الاول من القرن الواحد والعشرين، وبين شعار ما كان يسمى بالحاكمية لله الذي نشط بقوة في اليمن في العقد التسعيني من القرن العشرين؟ في تقديري ان مشروع المسيرة القرآنية هو نسخة مكررة لمشروع الحاكمية لله، ولا يوجد اختلاف جوهري بينهما لا في الخطاب الديني ولا في الخطاب السياسي، إن مفهوم الدولة عند حركة انصار الله هو نفسه الذي تبنته حركة الاخوان المسلمين سابقا.
فكلاهما امتدادا للماضي الذي جمع بين الديني والسياسي في مفهوم الحكم، بطريقة شوهت وظيفة الدين ووظيفة السياسة. وكلاهما وقفا ضد الدولة المدنية الديمقراطية ،وضد الحقوق والحريات ،وضد المواطنة المتساوية، وضد العقل، والعلم، والحوار، والسلام والتعايش ،والتداول السلمي للسلطة ،وضد حق المواطن في اختيار حكامه عبر صناديق الاقتراع ... الخ.
وكلاهما جعلا من المرشد أو الامام أو ولاية الفقيه أو ولي الأمر حاكما مطلقا نيابة عن الله، ولا يجوز مخالفته، فهو المالك للدولة وللشعب ،وطاعته من طاعة الله، تتجسد فيه دولة القرآن التي لم ينص عليها القرآن، ولم تشير اليها الاحاديث، وباسم الدين يسيطر الحاكم ويستأثر على السلطة بالقوة والغلبة ويستبد ويقتل ويدمر كل من يخالفه.
كلاهما يتحدثا عن مفاهيم العدل والشورى والمساواة وغيرها، ثم يمارسون الاحتكار، والظلم ،والاقصاء ،والتمييز، ويستبدلون الحاكم الفرد بحاكم فرد آخر، ويستخدمون الدين لتضليل وقمع ومصادرة حقوق الناس ،حتى الحقوق التي نص عليها القرآن يصادرونها.
ما اريد قوله ان المسيرة القرآنية لا تختلف في مضمونها عن الحاكمية لله، فمواقفهما من الحكم ومن الحقوق بشكل عام متشابهة ،حتى في المسائل الاكثر اختلافا فيها عبر التاريخ يتضح أن الاختلاف حولها ليس جوهريا، فمثلا في مسألة الخروج على الحاكم الظالم، التي تقابلها فكرة طاعة ولي الامر ولو كان ظالما، نجد ان فكرة الخروج تم استغلالها عبر التاريخ لصالح الحاكم الفرد الظالم وليس من اجل تحقيق العدالة للشعب، فالذي جرى ومازال يجري هو استبدال حاكم مستبد بحاكم مستبد اخر مع الابقاء على نظام الحكم كما هو دون تغيير يذكر.
بمعنى ان فكرة الخروج كرست في الماضي ومازالت تكرس لخدمة فكرة طاعة الحاكم الفرد، وهنا تقلصت مسافة الاختلاف بين الفريقين الى حد التطابق، كذلك الحال في مسألة الولاية فالذين حصروها في البطنين صادروا حق قريش كمكون اوسع من البطنين ،والذين حصروها في قريش منعوها على الامة الاسلامية التي اصبحت اوسع واكبر من قريش بمئات الاضعاف، ورغم ان فكرة الخروج على الحاكم الظالم كانت بمعايير زمانها متقدمة، وكذلك فكرة الولاية لقريش كانت متقدمة على فكرة حصرها بالبطنين في ذلك الزمن ،إلا أنه تم خنق الفكرتين في مهدهما ولم يسمح لهما بالتطور لا في الوسائل ولا في المضامين، فاصبحتا سببا في اعاقة تطور الدولة الى يومنا هذا.
اذا نستطيع القول بان انصار الشعارين -الحاكمية والمسيرة- استخدما الدين لتعزيز نظام الاستبداد الفردي، ولمنع قيام الدولة، ولاعاقة التطور العام، ولمصادرة الحقوق والحريات، واشعال الفتن والحروب، والسيطرة على الحكم بالقوة والغلبة، لصالح الحاكم الفرد.
والملفت للنظر ان اصحاب شعار المسيرة لم يتعظوا مما آل اليه شعار الحاكمية لله في نهاية التسعينات من القرن الماضي، الذي هُزِم او على الاقل انسحب من ميدان الصراع معترفا ضمنيا بفشله كرافعة ايديولوجية دينية استخدمت من اجل الوصول الى السلطة ، وكانت هزيمته بفعل تصدي قوى الحداثة له وتنامي الوعي لدى الشارع السياسي والمدني الذي قاوم وعرى اوهام هذا الشعار ومغالطاته واجبر انصاره على القبول والانخراط بالعمل السياسي بأفق الحاضر، وهي تجربة كانت كافية لأصحاب شعار المسيرة القرآنية أن يستفيدوا منها، لكنهم اصروا على خوض المعركة من حيث بدأت معركة الحاكمية لله وليس من حيث انتهت ،فدفعوا بالوطن مع حلفائهم نحو كارثة حرب مدمرة في نهاية عام 2014م والتي دخلت عامها الثالث وإلى ما شاء الله، مثلما فعلوا انصار الحاكمية لله وحلفائهم في تفجير حرب ١٩٩٤م والتي مازلنا نعاني من اثارها حتى اليوم.
فالشعارين استخدما التراث الديني لتحقيق غايات ومصالح ضيقة لا تتوافق مع مقاصد الشريعة السماوية التي جاءت لتحقيق العدل والمساواة ولضمان وحماية مصالح وحقوق كل فرد من افراد الأمة.
لا شك ان هناك اختلافات بين انصار الشعارين، يمكن حصرها بمسالتين: الاولى تتعلق بالأحقية في الحكم، والثانية تتعلق بالموقف من الحاضر والمستقبل، ففي مسألة الحكم نجد ان الاختلاف بينهما اخذ بعدا اجتماعيا فكل فريق له نظرية في الأحقية بالحكم كما هو حاصل الأن بين ما يسمى "بالسنة والشيعة".
أما بالنسبة لموقفهما من الحاضر والمستقبل ،نجد ان انصار الحاكمية لله قد قطعوا مجبرين، شوطا لا بأس به في التخلص من بعض غبار التراث الديني وانتقلوا الى السياسة بمفاهيمها العصرية، بينما انصار المسيرة القرآنية مازالوا قابعين داخل صفحات التراث بكل غبارها ولن يصمدوا طويلا امام تيارات المستقبل، وسوف يسري عليهم ،حتما ما سرى على غيرهم.
*المقال خاص بالموقع بوست.