لا يتبادر إلى عقولكم أيها القرّاء أن هذا العنوان هو نوع من التغريب الذي يلجأ إليه بعض كتّاب الصحف للفت النظر.. "مأساة واق الواق" هو عنوان رواية كتبها الشاعر اليمني محمد محمود الزبيري في أواخر خمسينيات القرن العشرين، كما أشار إلى ذلك الدكتور عبدالعزيز المقالح في مقدمته لهذا العمل الروائي الذي استلهمه مؤلفه من التراث الإسلامي في الحديث عن الجنة والنار في رحلة بطلها "العزي محمود" من الدنيا إلى الآخرة، ليبحث عن حقيقة بلاده التي سماها "واق الواق"، رحلة غرائبية عن طريق التنويم المغناطيسي، الذي رحل به من دنيا الأحياء إلى دنيا الأموات، وشاهد في رحلته حالات الرفاهية التي يعيشها الصالحون من البشر، وحياة العذاب التي يعيشها الأشرار من البشر، من تلك الشخصيات التي أساءت إلى شعبه، واستغلت نفوذها في تجهيل مواطني بلاده وإذلالهم وتسخيرهم لمآربهم الشخصية، واستعمالهم كأدوات في تعذيب وقهر وظلم الناس، وأحسب أن المؤلف قد حاول مجاراة "رسالة الغفران" للمعري، و"حديث ابن هشام" للمويلحي، كما يرى الدكتور المقالح، وإن رأى فيها بعض النقاد ما ينسجم مع فلسفة كثير من الفلاسفة الباحثين عن المدينة الفاضلة.
وقد ذكر الراوي أشخاصاً ومدناً ومناطق يمنية في روايته، لأنه يرمز من خلال "مأساة واق الواق" إلى مأساة بلاده اليمن الذي لم يعد سعيداً، بعد أن تآمر عليه المفسدون في الأرض، فنشأت الخلافات الحادة بين القبائل، وتشتت شملها وذهبت ريحها، وتمزقت بين المذاهب الدينية والسلالات العنصرية، والقبلية والمدنية، وأثرى الأثرياء على حساب فقر الفقراء، واستمد الأقوياء ظلمهم، من ضعف الفقراء وهوانهم، وانشطرت اليمن إلى شطرين، ونقلت رحلة "العزي محمود" مشاهد موغلة في المأساوية والرعب لما يلاقيه المجرمون الذين التقى بهم في النار، بعد أن التقى بالشهداء والمناضلين في الجنة، حتى إذا انتهت الرحلة التي قال عنها: (الحقيقة أنها مجرد رؤيا مروعة، وممتعة أيضاً، ولقد غسلت بها أوصار قلبي، ولكن وطني لا يزال ضائعاً)، وبذلك أنهى "العزي محمود" رحلته التي بدأت أحداثها في الأزهر الشريف، بمساعدة بعض علماء الأزهر، وهم قد استبعدوا أسلوب تحضير الأرواح كوسيلة للتعرف على وطن "العزي محمود" ورأى أحدهم أن يترك للشيخ "سعدان زكي" أمر رحلته بحثاً عن بلاده اليمن "واق الواق" عن طريق التنويم المغناطيسي، ولا يمكن تصور ما ذكره الراوي من مشاهد مروعة ومخيفة من العذاب إلا بعد قراءة هذه الرواية التي قال عنها الدكتور المقالح: (إن هذا العمل الروائي الشعري حقق ما لم تحققه آلاف القصائد التحريضية والهجائية للنظام المباد، ونجح، ومن خلال تقنية ليست مبتكرة تماماً، في التقاط صور الواقع المذهلة والمرعبة، وخروجه بصور مدهشة ومثيرة، تلاقى الواقع والخيال في صنعها). وما أشبه الليلة بالبارحة، حيث لا يزال اليمن يعيش مآسيه المروعة على أيدي العملاء والمتاجرين بمصيره بعد أن ارتهنوا للأجنبي وأتمروا بأمره، وغلبوا مصالحهم على مصلحة بلادهم.
بقي أن نقول إن هذه الرواية أصدرتها مجلة "الدوحة" مع عددها الثامن والتسعين الصادر في ديسمبر 2015م كما تعودت في كل عدد من أعدادها، وهذا تقليد حميد يهم كل المثقفين، وقد تعودت الدوحة أن تكون إصداراتها من قديم المطبوعات العربية، لإحياء الفكر العربي المعاصر، وحبذا لو اهتمت "الدوحة" إلى جانب ذلك بالإصدارات الحديثة، لمواكبة حركة التطور الفكري والثقافي العربي، ولتتوزع إصداراتها بين قديم الثقافة وحديثها، بدل التركيز على القديم دون غيره، وهذا لا يعني التقليل من شأن القديم، ولكنه يعني أهمية العناية بما هو جديد من الفكر الناضج أو الإبداع المتميّز.
كاتبة قطرية
نقلا عن صحيفة الراية