كيف يتحول اليمن السعيد بكل زخارف التراث والجمال المعماري إلى كتل من الخراب واكوام من الرماد واهرام من الجثث ويتحول إلى يمن تعيس، بأي ذنب وبأي جريرة وبأي جناية عوقب عليها هذ الشعب الطيب العريق، فهل من نصرة وهل من نجدة تنصر اليمن وهل من هبة تنجد شعبه من الهلاك وهل من قلوب رحيمة تنقذ الأطفال وتهدئ من روع الثكلى. انصروهم ينصركم الله.
الحمد لله .. اخيرا ازيلت الحواجز والبوبات الالكترونية من محيط المسجد الاقصى وفتحت الابواب امام جموع المصلين، وعاد الحال كما هو عليه، بفضل الوقفة البطولية لأبناء الشعب الفلسطيني عامة والمقدسيين بصورة خاصة بشكل أساسي والجهود الحثيثة للحكومات العربية وضغوط المظاهرات العارمة فى بعض بلاد المسلمين، الحمد لله فقد التهبت المشاعر لنصرة الاقصى، لكن الشيء بالشيء يذكر طالما ان المشاعر الدينية والإنسانية لا تتجزأ، أليست مأساة الشعب اليمني تحرك المشاعر وتدمي القلوب ايضا، أليسوا في حاجة إلى نصرة ونجدة او حتى تعاطف أوتضامن أو ذكر، كونهم شركاءنا في العروبة والاسلام وشركاءنا ايضا في الانسانية.
فعندما يتعذر اكثر من ثمانية ملايين يمني للوصول إلى مياه شرب نقية أو آمنة أو صرف صحي مثل البشر، وعندما تتوقف عمليات نقل القمامة لينتشر بينهم اكثر الأمراض المعدية التي دمرت البشرية على مر العصور واخطر الأمراض التي حصدت البشر، عندما يتغلغل وباء الكوليرا الاسوأ خلال القرن الحالي في أجساد اليمنيين، وعندما تعلن هيئات الاغاثة ومنظمات الصحة العالمية مقتل اكثر من 600 شخص جراء هذا المرض واشتباه في اكثر من 150الف حالة، بل يقتل شخص كل ساعة تقريبا في هذا البلد التعيس. وعندما تعلن الامم المتحدة ان الوباء في اليمن بلغ مستوى غير مسبوق وتناشد منظمة الصحة العالمية البشرية بالاغاثة العاجلة، وعندما تصف جريت كاملير المدير الإقليمي لليونيسيف المشهد بكل حزن الوضع بالقول: انه خلال مرحلة تقييم حالات الطوارئ في واحدة من المستشفيات القليلة العاملة والتي زرتها، رأيت مشاهد مروعة لأطفال بالكاد على قيد الحياة، واطفالا صغار الحجم وزنهم اقل من 2 كيلو وهم يكافحون من اجل البقاء في خضم الصراع مع هذا الوباء الفتاك ويتساقط الموتى كل ساعة….” اذا المأساة كبرى والمصيبة جلل.
وفي اطار الصراع والقتال الدائر في انحاء اليمن توقفت اكثر من نصف عدد المستشفيات والمنشآت الطبية عن العمل، كما دمر نحو 300 منها تدميرا كاملا وتؤكد وزارة الصحة اليمنية انه وفي ظل هذا الدمار ينتشر المرض بشكل مخيف في العاصمة صنعاء وارقام المصابين تتزايد بشكل كبير، مع قلة الإمكانيات الطبية والفنية.
لقد تسببت الحرب اليمنية في ازمة انسانية طاحنة حيث يقف 7 ملايين شخص تقريبا على حافة المجاعة ويشرد اكثر من مليون شخص آخر، ويقتل اكثر من 8 الاف يمني حتى الآن، لذا تطالب الأمم المتحدة وبشكل عاجل بجمع حوالي 2 مليار دولار لتوفير الغذاء والمعونات الحيوية والطبية على ارض اليمن الذي انهار اقتصاده ومؤسساته ودمرت بنيته التحتية بشكل مريع.
ان الشعب اليمني يواجه صراعا مريرا بين ارادات اقليمية ودولية وصرعات محلية لا يعرف السبيل إلى الخلاص منها، ولا حل تقريبا يلوح في الأفق والمجاعة تضرب انحاء البلاد والمرض ينهش اجساد العباد مع اصرار غريب من جميع الاطراف على دوام الحرب واستمرار المجازر بل يتوقف كل شيء تقريبا على عتبات الموت اليومي والمجاني.
شعب يتعرض للموت والدمار يوميا في حرب بالوكالة تدار على ارضه، من لم يمت بالرصاص والقذائف يلقى حتفه تعذيبا في سجون ومعتقلات الاطراف المتنازعة وحتى لو نجا سيواجه شبح الموت جوعا، شعب يتعرض للإبادة والتشرد والتشرذم في ظل صمت عالمي غير مسبوق، المستغرب ان مأساة بهذا الحجم الفظيع لم تنل اهتمام العالم، ولم يسلط عليها الاهتمام حتى من وسائل الاعلام فكيف لشعب مجمله 28 مليونا يتعرض 19 مليونا منهم لمجاعة طاحنة وانعدام امن غذائي وسوء تغذية بل جميعهم في مرمى وباء الكوليرا القاتل.
هل تتخيل شعبا يحمل حضارة ضاربة في التاريخ اقدم حضارة على وجه الارض واصل العرب منذ 10 الاف عام، اليمن الارض الغنية والارض المقدسة وبلاد الغرايب وبلاد القصور، هكذا سميت على مر العصور وعبر التاريخ، اليمن احد المثلث الحضاري (مصر والعراق واليمن) اليمن تاريخ حضارة سبأ وعرش بلقيس وسد مأرب ومعبد الشمس، كيف يتحول اليمن السعيد بكل زخارف التراث والجمال المعماري إلى كتل من الخراب واكوام من الرماد واهرام من الجثث ويتحول إلى يمن تعيس، بأي ذنب وبأي جريرة وبأي جناية عوقب عليها هذ الشعب الطيب العريق، فهل من نصرة وهل من نجدة تنصر اليمن وهل من هبة تنجد شعبه من الهلاك وهل من قلوب رحيمة تنقذ الأطفال وتهدئ من روع الثكلى. انصروهم ينصركم الله.
كاتب مصري
نقلا عن الوطن العمانية