لطالما تفاخر اليمنيون بحديث الرسول الكريم «الإيمان يمان والحكمة يمانية»، وفي كل المنعطفات الحاسمة التي عاشوها خلال العقود الماضية كانوا يجسدونها بشكل عملي عندما تصل الصراعات بينهم إلى أوج قوتها ووحشيتها، لكنهم اليوم يبدو أنهم نسوا حديث الرسول الكريم واستبدلوا الحكمة برغبات الثأر والانتقام التي تفعل فعلها في كل مكان وأدت إلى دمار وخراب كبيرين وذهب ضحيتها عشرات الآلاف من القتلى والجرحى والملايين من الجوعى والنازحين.
يتحمل الحوثيون والرئيس السابق علي عبدالله صالح مسؤولية ما حصل عندما قرر الطرفان عن سبق إصرار، الانقلاب على الشرعية بمخطط واضح المعالم بدأ منذ الأيام الأولى من تسليم صالح للسلطة في فبراير/ شباط من العام 2012، وتوج برفض مخرجات مؤتمر الحوار الوطني مطلع العام 2014، مروراً بتهجير أهالي منطقة دماج بمحافظة صعدة، ومن ثم السيطرة على محافظة عمران، وصولاً إلى اجتياح العاصمة صنعاء في شهر سبتمبر/ أيلول من العام نفسه، قبل أن يتم الانقضاض على الشرعية نفسها المتمثلة بالرئيس عبدربه منصور هادي، الذي تمكن من التخلص من الإقامة الجبرية التي فرضت عليها وبدء مرحلة جديدة لاسترداد السلطة المغتصبة.
يشترك الحوثيون وصالح في مهمة تدمير الدولة والمجتمع اليمني وفي إدخال البلد في دوامة من الصراعات المذهبية، التي تم التعبير عنها بوضوح في خوض الحوثيين القتال في عدة مناطق لا تعتبر حاضنة اجتماعية لهم، تحت مبرر قتال «الدواعش والتكفيريين»، ما أوجدوا حالة من الاصطفاف المجتمعي في هذه المناطق، وتسببوا في إحداث دمار هائل في البنى التحتية الضعيفة أصلاً وأدخلوا الناس في حروب قد تطول إذا لم تحضر الحكمة في إنهائها والعودة إلى جادة الصواب من خلال تطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي التي تطالب الانقلابيين بالانسحاب من المدن التي سيطروا عليها وفك الحصار عن المدن الأخرى أبرزها تعز التي تدفع اليوم ثمناً باهظاً للصراع القائم.
الأجندات الخارجية لعبت هي الأخرى في هذا الصراع دوراً كبيراً، وقد جاءت خطوة استعانة الحوثيين بإيران وجلبها إلى اليمن لتشكل أحد أكبر الأخطاء التي بسببها اندلعت الحروب الجارية اليوم في كل مكان، بخاصة بعد أن مدت إيران بأذرعها إلى هذه المنطقة، وهي تدرك أن حضورها في اليمن لن يقابل بالصمت من قبل دول الخليج العربي التي ترى في الحضور الإيراني تهديداً لأمنها واستقرارها، وهو ما عبرت عنه هذه الدول في الاستجابة لدعوة الرئيس عبدربه منصور هادي بالتدخل العسكري لإعادة الشرعية المنقلب عليها وتطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة.
وعلى الرغم من عقد جولات محادثات عدة بين الأطراف المتحاربة في جنيف، إلا أن الانقلابيين ظلوا متمسكين بخيار الحرب وعدم العودة إلى الحوارات، وهو ما عبر عنه الطرفان المتحالفان (صالح والحوثيون)، اللذين صمما على عدم العودة إلى طاولة الحوارات مشترطين وقف الحرب أولاً، مع أنهم من بدأ الحرب وإشعال الصراعات في كل مكان، وهو أمر صار يتجسد بشكل عملي في معظم مناطق البلاد.
نقلا عن صحيفة الخليج