في وضع معقد كالذي تعيشه اليمن واليمنيون اليوم قلما نجد شخصية وطنية جامعة وعابرة للأحزاب يلتف حولها الجميع للخروج باليمن من مرحلة التيه التي تعيشها اليوم إلا قليلاً إن لم يكن في حكم النادر.
وأنا أبحث – وغيري كذلك – بين الشخصيات اليمنية التي يمكن أن تكون على مستوى المرحلة، وكلمة حق أقولها، لم نجد أفضل من شخصية الدكتور رشاد العليمي، الذي يتحلق السياسيون اليوم حوله حلقاً متعددة من كافة الأحزاب السياسية، فهو رجل صقلته الأحداث وكشفت عن شخصيته الجامعة بما يمثله من للمشروع الوطني الجامع الذي ينشده كافة اليمنيين.
الدكتور رشاد العليمي السياسي والأكاديمي ورجل الدولة المعروف الذي حقق الكثير من الإنجازات الأمنية وهو في منصب نائب رئيس الوزراء وزير الداخلية لم يكن شخصية صدامية مع المجتمع ولا مع الأحزاب المنافسة الأخرى، فقد مثل شخصية التوافق في كثير من مواقفه السياسية في اليمن. حالة التوافق هذه والحالة الجمعية التي يمثلها العليمي لم تقتصر على اليمنيين وأحزابهم فقط، بل حتى على المستوى الإقليمي لدى دول التحالف العربي أيضاً والدول العربية، فهو الذي وسع علاقات الداخلية اليمنية بالمحيط الإقليمي فيما عرف سابقاً بالتنسيق الأمني لمكافحة الإرهاب في المنطقة، وحقق نجاحات كثيرة في هذا الملف.
عُرفت شخصية الدكتور العليمي المنحازة للوطن في الوهلة الأولى من الانقلاب الذي رفضه منذ البداية، ووقف ضده بكل قوة، ووقف إلى جانب الشرعية وإلى جانب شعبه الرافض للانقلاب وعودة الإمامة على ظهر الرئيس المخلوع، ما جعله محط احترام ومحط أنظار اليمنيين التواقين إلى الدولة الحديثة والمشروع الوطني، في حين كثير من الشخصيات الأخرى ساندت الانقلاب ووقفت معه بقوة، وفي أحسن أحوالها رضيت به حتى وإن لم تسانده.
في أحاديث ودية كثيرة مع زملائي المثقفين المهمومين والمصدومين بحال كثير من الشخصيات اليمنية، قلّبنا صفحات كثير من الشخصيات ومن يمكن أن تصلح للمرحلة المقبلة في قيادة الوطن نحو التوافق الوطني والخروج من حالة التمترس والفوضى التي تعيشها البلاد جراء الانقلاب، كان الجميع يومئ إلى الدكتور رشاد العليمي بما يمتلكه من مؤهلات سياسية وعلمية وعسكرية من ناحية، وما يمتلكه من توافق وبعد نظر في إعادة بناء المشروع الوطني والتطلع نحو الدولة الحديثة التي تخرج اليمن من ظلمات التخبط والفوضى إلى نور البناء والدولة المؤسسية، والمشروع الحضاري اليمني.
أعتقد أننا فيما مضى كنا قد ظلمناه كثيراً من خلال حكمنا العام على فوضى الرئيس المخلوع، ولكن حينما جلسنا إليه وجدنا شخصية مكتملة علمياً وثقافياً وسياسياً واجتماعياً، ونعتقد أيضاً أنه شخصية هُضِمت في عهد صالح؛ لأن المخلوع كان يهضم كل شخصية أمامه ليبقى هو في الصدارة.
حينما جلسنا إليه واحتككنا به وتبادلنا أطراف الحديث وجدنا رجلاً متفهماً ومنصفاً ومنصتاً للمشاريع الوطنية، وكذلك متواضعاً واعياً، عكس كثير من الشخصيات التي أصبحت لا هم لها إلا جمع المكاسب الشخصية من خلال المناصب أو جمع الأموال.
ذات مرة ونحن نتحدث معه حول ما آلت إليه الأوضاع كان أفضل ما استمعت منه ورأيت عبارة تكتب بماء الذهب ويخلدها التاريخ في صفحات من نور: "في المواقف الوطنية لا يصلح الوقوف في المساحات الرمادية بل الانحياز للوطن ولقضاياه الوطنية وساحته البيضاء.."، وهو الأمر الذي جسده في موقفه المنحاز للوطن منذ الوهلة الأولى للانقلاب؛ ولأنه كذلك رجل أكاديمي ومثقف وطني قبل أن يكون سياسياً ورجل دولة يعي جيداً ما سيدونه التاريخ عن الشخصيات التي لم تغادر المساحة الرمادية أو وقفت في الساحات السوداء.
اليوم ومع كل الأوضاع التي تعيشها محافظة تعز المظلومة والمعتدى عليها من قبل الانقلابيين وتعدد المشاريع فيها، نعتقد جازمين أن الدكتور العليمي هو الشخصية الوحيدة والجامعة التي يمكن أن تنتشل تعز من وضعها الصعب والمتشرذم، وأن الناس على اختلاف مشاربهم السياسية يمكن أن يلتفوا حوله للخروج بتعز من كبوتها.
يعمل الدكتور رشاد العليمي اليوم بصمت بعيداً عن ضجيج وسائل الإعلام كخلية نحل لوحده في الرياض وفي الأماكن التي يطأها، ما إن يخلص من اجتماع بفئة من الناس حتى يدخل في اجتماع آخر ومع فئة أخرى من كافة الأحزاب وليس فقط فئة حزبه المؤتمر الشعبي العام، وحتى في هذا الإطار يمكن أن يجعل الدكتور العليمي من حزب المؤتمر حزباً لكل اليمنيين بحق وحقيقة وليس ادعاءً كما كان يدعيه المخلوع صالح، الذي حول الحزب إلى حزب خاص بالعائلة وتمترس خلفه وأساء إليه، مما جعل الكثير من الشخصيات الوطنية تغادر عباءة صالح الحزبية والأسرية إلى رحابة الوطن الواسع باستثناء البعض الذين فضلوا العبودية على التحرر.
ونحن بدورنا كشباب مثقف ومتطلع لحياة كريمة نتمنى أن تأخذ مثل هذه الشخصيات المؤهلة تأهيلاً علمياً كبيراً بما تمثله من المكانة السياسية والاجتماعية والعلمية والثقافية مكانتها في الدولة لانتشال اليمن مما هي عليه اليوم، بعد أن عمل الظلاميون على هدم المجتمع علمياً وثقافياً واجتماعياً وعسكرياً وأمنياً وفي كل المجالات الأخرى.
من حق كل اليمنيين أن يروا الشخصيات العلمية والكفؤة في صدارة الدولة ويطمحوا لبناء دولتهم بالتعاون مع كل المخلصين لهذا الشعب، وبالتعاون مع الأشقاء في التحالف في هذا المضمار ليقدوا العون والمساعدة لأشقائهم في اليمن حتى تعاد الدولة اليمنية ويعود الاستقرار للمنطقة بشكل عام.