تتهادى القوى الحزبية في بلادنا بين الوعي واللاوعي والادراك الحقيقي العميق للرسالة السامية للحزبية والتحزب، بأشكالها الجماهيرية المعاصرة والراقية المتفقة والمتنافرة، وبين القصور المعرفي بأهمية الحزبية في سياقها الخدمي الوطني لكل مجالات الحياة، فاقتصر خلافات روادها وانشطتهم في الغالب الأعم على استثارة الخلافات اللا وطنية الطائفية والمذهبية والأيديولوجية.
بهدف الاستقطاب الحزبي الذي يستهدف تجاوز بوابات الحكم وصولاً إلى كراسي السلطة فحسب، الأمر الذي قاد بلادنا إلى محنة تجلت أبعادها في الحرب الدامية التي تدور رحاها في كل أرجاء الوطن، ملتهمة شباب الوطن، وقواه الحية القادرة على البناء والعلم والابداع، وما كان لها أن تحدث لولا الأطماع الشخصية الأنانية الزائفة، لرائد الحرب الأول صالح يليه الحوثي ويليهم القوى النفعية البرجماتية العمياء ضحية غباءها وغيابهم عن مجريات الأحداث ومخاطرها الزاحفة من وراء الحدود المحدقة بالوطن إجمالاً وتفصيلا.
وعدم ادراكهم بأن الأحزاب السياسية كيانات اجتماعية حديثة حلت محل القوى القبلية والعشائرية والمذهبية التقليدية في البلدان المتقدمة، وأنها آليات حكم ديمقراطية بها وعن طريقها تحكم الشعوب نفسها تشاركها راحها وحزنها ونعيمها، وتأسست لجمع القوى التي من جوهر مهامها التضحية والتنافس والسهر من اجل الوطن، لا أن يكون الوطن ضحية لها ولخلافاتها المزمنة.
إضافة إلى المفاهيم الخاطئة التي ربطت الحزبية، بالعقد المذهبية والطائفية وحتى التوجهات الدينية التي ينظر ممثليها إلى الكيانات الحزبية اليسارية والقومية المخالفة لها ايديويلوجياً من زاوية الدين والمعتقد فقط، واعتبار أنفسهم الدعاة المصلحين وحملة راية الدين وحماة المجتمع حصرياً دون غيرهم، بمقابل وصمها بالراديكالية والتقليدية والجمود من قبل باقي الأحزاب في الجانب الآخر.
بيد أنه لا علاقة للأحزاب ككيانات سياسية بالدين والمعتقدات الربانية الخالصة، وأن القاسم المشترك والجامع بينهم هو هموم الوطن ومآسي الأمة، وبرامج اقتصادية واجتماعية وسياسية تخدم الشعب بكل أعراقه الانسانية وأطيافه السياسية وطبقاته الاجتماعية وتوجهاته الدينية والمذهبية.
إذا ما تجاوزت الأحزاب وتفادت الاختراقات السلالية والطائفية والمذهبية والمحسوبيات التي لوت أعناقها وجيرت سياساتها النفعية لصالحها دون علم أو تغابي من قادتها والمؤتمنين فيها وشوهت المبادئ التي أقرتها وآمنت بها جماهيرها وأفرغت الأحزاب الوطنية من محتواها وغيرت مساراتها الحقيقية الهادفة.
وهذا ما يجب ان تدركه الأحزاب قيادات وقواعد حتى لا تتسع هوة الشقاق بين أبناء الشعب وتنتج الصراع الذي بدوره سينعكس سلباً على المجتمع ، ويمزق لُحمتهُ الوطنية وتتعلم من تجارب شعوب العالم الحية المتقدمة مدركين سر اصطفافاتهم الدائمة والتطور الذي وصلت إليه بلدانهم والذي كان التنوع الديني والعرقي والثقافي عندهم مصدرا للنهوض وليس معولا للهدم والاحتراب، ولم يتحقق ذلك الا حينما ادركوا ان بناء الأوطان تحتاج الى إزالة التصورات المغلوطة تجاه بعضهم البعض فسارعوا الى وضع خطط تنموية شاملة لمجتمعاتهم، وتركوا كل ما يسهم في اثارة الصراع ويؤسس للحروب ويغرس بذورها.
وحتى لا تغرق المراكب ويضرب البحر بأمواجه كبار السفن، لابد من تعلم مبادئ وطرق التحالفات السياسية والتواصل مع كل الكيانات الاجتماعية والسياسية والنقابية والمهنية والنخب الثقافية والعلمية المتخصصة، وهذا بحاجة الى نوايا صادقة وتدريب وتأهيل جاد وقناعات من الكل قِبَل الكل، بالحقوق المتساوية وعدم الاعتماد على الأمواج الجماهيرية التي تهب للساحات اثنا التجييش حسب الطلب لأنها ستنفض حتماً عند بدايات الغرق وسقوط أصنام الطغاة المرسومة من ورق.