لدى العرب والمسلمين الكثير من القدرة على صناعة الكراهية، ومع الأسف فإن صناعة الكراهية تأخذ في الأغلب الصبغة المذهبية وهي الوسيلة الأسهل لدى المتطرفين مع أن الإسلام يدعو إلى نبذ الكراهية، ويدعو إلى التسامح.
خلال السنوات الأخيرة بدت ظاهرة الفتاوى التي تدعو إلى التكفير لدى بعض العلماء من مذاهب مختلفة، تنتشر بشكل كبير، وبدأت هذه الفتاوى تؤثر في مسار الأحداث وتمنح الصراعات السياسية بعداً طائفياً، وعوضاً عن أن تتم محاصرة هذه الفتاوى في إطارها الطبيعي، يتم شحنها بصبغة مذهبية، وتجد من يتلقفها ويساعدها على الانتشار بدليل أن الأحداث التي يشهدها العديد من الدول العربية تتوالد فيها الصراعات المذهبية أكثر وأكثر مع مرور الوقت، وتحصد المزيد من الضحايا الأبرياء الذين لا ذنب لهم فيما يجري من حقن مذهبي وطائفي بغيض تولده صراعات الطبقات الحاكمة.
ما يحدث اليوم في العراق ولبنان واليمن على سبيل المثال لا الحصر، يؤكد أن الأحداث بدأت تأخذ بعداً طائفياً وليس سياسياً، ووجدت من يغذي هذه الصراعات من دول إقليمية تريد إبقاء العرب في حالة خصومة دائمة مع أنفسهم، إضافة إلى الجهل الذي يتلبس الملايين من الجيل العربي الشاب، الذي ولد على حقن طائفي من كل نوع.
ومع الأسف فإن بعضاً من الصراعات الطائفية انتقلت من الدول العربية والإسلامية إلى الدول الأجنبية التي يعيش فيها العرب والمسلمون، بخاصة أوروبا التي تحول بعضها إلى مرتع للأفكار المتطرفة، وشاهدنا في السنوات الأخيرة العشرات، بل المئات من المقيمين العرب والمسلمين في هذه البلدان يلتحقون بحركات متطرفة مثل تنظيمي «القاعدة» و«داعش» وغيرهما، ووجدت أوروبا نفسها أمام طوفان إرهابي صار يهدد كيانها بأكمله، مع أن دولاً أوروبية وغربية أخرى، من بينها الولايات المتحدة الأمريكية، ساهمت بشكل أو بآخر في بروز التطرف في البلاد العربية والإسلامية، بل إن بعضها كان لها اليد الطولى في ظهور بعض التنظيمات الإرهابية إلى الوجود مثل «داعش» الذي ظهر بشكل مفاجئ وحصل على ترسانة من الأسلحة والأموال لا تتوفر حتى لدى بعض الدول الناشئة، ولا ينقصه إلا استخدام سلاح الطيران.
وعلى الرغم من أن بعضاً من الإرادة توفرت لدى عدد من الدول العربية في محاربة التطرف والشحن الطائفي والمذهبي، إلا أن مثل هذه الإرادة لم تعد تكفي لمحاصرة هذه الظاهرة التي باتت تهدد النسيج الاجتماعي والديني في هذه الدول.
والصراعات التي نراها اليوم في بلاد عربية عدة دليل على أن العرب والمسلمين انصرفوا إلى معالجة قضاياهم ومشاكلهم الدينية باستدعاء الماضي، وبخاصة الشق الطائفي منه حتى تبقى المنطقة مشتعلة بالصراعات المذهبية، وهو ما يتوافق مع رغبة العديد من الدول الإقليمية والعالمية في إبقاء العرب رهينة الخلافات والصراعات الداخلية.
أمام هذه الصورة المأساوية التي نعيشها اليوم تبرز تساؤلات مشروعة حول من لديه الجرأة اليوم على التصدي للمشاريع المذهبية التي تنتشر على نطاق واسع في عدد من الدول العربية والإسلامية؟ من لديه القدرة على وضع الإصبع على الجرح الذي ينزف في أكثر من بلد عربي، حتى يتمكن العرب والمسلمون من مواجهة الأخطار التي تواجههم في المرحلتين الحالية والمقبلة؟.
نقلا عن الخليج الاماراتية