إن تطوير عجلة التنمية الاقتصادية وبناء المجتمع يتطلب الاستثمار في كلٍ من التعليم وتمكين الشباب في جميع القطاعات وعلى كافة المستويات؛ حيث تتطلب التنمية الاقتصادية والبشرية إنشاء نظام تعليمي ومؤسسات تعليمية متخصصة تلتزم بتعليم وتدريب قادة الأجيال القادمة من معلمين وأطباء ومهندسين وفنانين ورياديي أعمال وناشطين في مجال الحقوق المدنية والإنسانية.
إن الحكومة التي لا تلتزم بتمكين الشباب والنساء وإعطائهم الفرص المتساوية للوصول للتعليم وفتح مجال التنافس لتحقيق أحلامهم بقدراتهم وإمكاناتهم لا تعتبر حكومة فاشلة وحسب، بل قائدة ومخططة للفشل. خلال العقود الماضيه أظهر قادة الحكومة والأحزاب السياسية الرئيسيّة والحركات الشعبية والدينية في اليمن أنهم معنيون أكثر بالحفاظ على السلطة والسيطرة على الموارد الوطنية، وأنه بالنسبة لهم فإن المصلحة الوطنية مازالت تتمثل فيما يخدم أجندتهم ومصالحهم الشخصية أو الحزبية. ينعكس هذا جليا في استمرار السياسات والممارسات الممنهجة التي تؤدي بشكل مباشر أو غير مباشر إلى تهميش الشباب والنساء.
التمكين يعني ضمان حقوق وحصول كل شاب يمني على الخدمات التعليمية، وعدم التخلي عنهم أو تركهم لمستقبل مجهول.
ركزت الأحزاب السياسية بشكل أساسي على تعبئه النساء والشباب وتسخيرإمكاناتهم لتحقيق أجنداتهم أو لمجرد إضعاف وأثبات فشل الأحزاب السياسية الأخرى، وأدى ذلك إلى تهميش دورالنساء والشباب القيادي الحقيقي في المشاركة الفاعلة وصُنع القرار، وهذا ما يفسر فشل معظم الأحزاب السياسية في تطوير وبلورة رؤية واستراتيجيات وطنية محددة وواضحة للتطوير وتنمية الموراد البشرية وتوحيد الجهود المحلية والدولية لدعم رؤية وطنية نحوالتنمية والنموالاقتصادي المستدام.
كيف نحقق التمكين الحقيقي للشباب والنساء؟
إن تمكين الشباب والنساء لا يقتصر على اختيار وتعيين أعداد قليلة في مناصب وزارية في الحكومة أو جعلهم جزءا من الصورة العامة لأي حزب سياسي أو حركة شعبية وتقييد عملية صُنع القرار والتحكم بالسطلة لعدد قليل من كبار المسؤولين والقادة الذين لا يؤمنون بتداول السلطة.
التمكين يعني الإيمان بقدرات الشباب وإعطائهم مساحات من الحرية وتحفيزهم ودعمهم بل تشجيعهم لمناقشة افكارهم وتوجهاتهم خارج الإطار التقليدي عوضاً عن المطالبة بولائهم المفرط. يجب تمكين الشباب والنساء كي يكونوا قادة وليسوا تابعين.
التمكين يعني حماية جميع المؤسسات الوطنية التي توفر للشباب والنساء المعرفة وترتقي بمهاراتهم وخبراتهم ليصبحوا قادة فاعلين ونماذج ناجحة تقتدي بها الأجيال القادمة. فبمجرد أن يتم اختيار قيادات شبابية أو نسائية يجب ان يتم تقديم الدعم اللازم كي يصبحوا قصص نجاح تٌلهم الآخرين وتقود المجتمع نحو مستقبل أفضل.
التمكين يعني ضمان حقوق وحصول كل شاب يمني على الخدمات التعليمية، وعدم التخلي عنهم أو تركهم لمستقبل مجهول، وليس تدمير المدارس ومراكز التعليم واستغلال معاناة الشعب وسوء الوضع الاقتصادي للأسر، لتجنيد أبنائهم والزج بهم في معارك عبثية لن تخدمهم بل تخدُم صانعي الحروب وتجار الموت.
ينبغي على الشباب والنساء أن يحرروا أنفسهم من قيود الأحزاب السياسية والمجموعات الدينية التي فشلت في تزويدهم بالسبل الكفيلة بتمكينهم وحدت من إمكانياتهم.
على جميع القيادات الوطنية والحزبيه الذين يدعون أنهم مدافعون عن قضايا الشباب والنساء إعادة تقييم مواقفهم والسياسات التي يتبنونها فيما إذا كانت تدعم التمكين الحقيقي للشباب والنساء أم لا؟ فلم تعد الوعود كافية ما لم تخرج حيز التطبيق لذا سنراقب عن كثب الاجراءات والقرارات التي تدعم ذلك وفيما إذا كانت هذه الدعوات مسؤولة وحقيقية أم لا، وهل ترتقي للوعود التي لطالما سمعناها مرات كثيرة، سندرك أنكم صادقين عندما نرى شباباً ونساءً مؤهلين من حولكم في مناصب قيادية مؤثرة في الحكومة أو الأحزاب السياسية أو المؤسسات التي تتزعمونها، حينها فقط سندرك أن تلك الدعوات بتمكين الشباب لم تعد وعوداً تذهب أدراج الرياح بل هو التزام مسؤول منكم تسعون لتحقيقه بكل تفان.
ولتمكين أنفسهم بصورة حقيقية، ينبغي على الشباب والنساء أن يحرروا أنفسهم من قيود الأحزاب السياسية والمجموعات الدينية التي فشلت في تزويدهم بالسبل الكفيلة بتمكينهم وحدت من إمكانياتهم، وحالت دون أن يصبحوا مشاركين فاعلين في صياغة مستقبل البلاد. يتعين عليهم أن يجدوا وسائل للتواصل بالانفتاح مع أولئك الذين لا يقاسمونهم نفس الآراء أو الايديولوجيات السياسية والبحث عن أرضية مشتركة والتركيز على مد الجسور وعرض أفكارهم ورؤاهم على المواطنين العاديين.
تنبئنا أحداث السنوات الثلاث الماضية بأنه لا يوجد قادة ضمن القوى المتصارعة مستعدون لحمل هموم الشباب والنساء. لذلك يجب أن يعمل القطاع الخاص وقادة الأعمال المستنيرين وهيئات التنمية الدولية على ملء الفراغ وتقديم الدعم والموارد والتدريب والإرشاد الضروري لمساعدة الشباب والنساء على تنظيم أنفسهم وتقلد أدوارهم في صناعة مستقبل البلاد وأن يساعدوهم على أن يصبحوا عوامل تغيير دون انتقاص من مصداقيتهم واستقلالهم .
* مدونات الجزيرة
د. هلال الأشول
أستاذ جامعي وباحث