عندما نتحدث عن الــ 11 من فبراير بالرغم من مألات الأوضاع في اليمن التي حرفت بمسارات الثورة الشبابية، علينا ان نستحضر طهارة الاندفاع والذاتية والرغبة لتصحيح أوضاع سلبية، دون ان نفتش عن صناديق سوداء نستمع فيها الى كواليس السقوط او توقف المحركات، واعداد الضحايا فطهارة ونقاء المبدأ أولى بتسليط الأضواء قبل كشف اسرار الصناديق السوداء.
تراص الصفوف وتلامس الاكتاف وبحة الحناجر في عدة دول عربية كانت ظاهرة نقية وارهاصة افاقة وقراءة جديدة تدون على عتبات محطات الامل وتوثق في صفحات الفخر في تاريخ الأمم عن رؤوس عالية وصدور عارية هتفت لأحلام منشودة رغبة بالعدل والحرية والرقي الاقتصادي.
هي جهود بشرية يعتريها النجاح والاخفاق وتنشد التقويم والتصحيح لا التفتيش عن الصناديق السوداء لتحميلها تبعات لم تواجهها ثورة فبراير فقط بل ثورات المنطقة بأسرها وكأن الاحلام تتحقق بالأماني دون دفع الضريبة, وهل ثار الأبناء ليقال لهم قد أوذينا من قبل ان تأتونا بثورتكم ومن بعدها أيضا.
فالشعوب تقوض مستقبلها بأيديها حين تقارن ايامها قبل الثورات وبعدها دون ان تستدرك اخطائها وتفعل أدوارها لتصحيح المسار وتقويم الاعوجاج والخروج من أزمة الفهم التي تعصف بعوام الشعوب وتحولها الى دمى متحركة بأيدي نخب متسلطة .
فبراير يظل مضيئاً لأنه فكك افكاراً قاتلة في عقولنا بان صفوفنا غير قادرة على التجميع واكتافنا لا تستطيع ان تلامس بعضها بينما يشهد لنا فبراير بارتفاع ارصدة واسهم التعايش بين عديد الانتماءات بغض النظر عن هجمات التحريش واثارة الفتن وشق الصفوف.
فبعد طي سنوات من هذه الثورة الطاهرة سيكون اول دروسها المستفادة هو محاصرة نيران أفكار الانقسام والجهل التي كانت مدخلاً لتسابق الجميع لتقاسم مكتسبات ثورة لم تكتمل حتى اللحظة بينما أعداؤها يحضرون لجولة جديدة تستغل جهل وامية شعب.
كان يفترض ان تتم الثورة على جهله واميته ووعيه قبل النظام السياسي الذي استخدم هذا الجهل الى صفوف جنده ولعل ثورات أوروبا بعد عصورها المظلمة لم تنجح الا بعد خلق حاسة جماهيرية شغوفة بالتعايش والحرية رافضة لأي فكرة يشتم منها رائحة الانقسام عبر عقود من العمل المضني شاركت نخب من المستنيرين منعاً لتكرار مآسي عهود الظلام ولعلي اغمز نخبنا اليوم التي لا زالت بقصد او بدون قصد تغذي افكاراً تدفع بالشعوب الى مسافات بعيدة عن مؤشرات المصالحة والتعايش والرؤى المشتركة.
وهنا تكمن الطامة فالشعوب ليست المعنية وحدها من الثورة على جهلها ووعيها فأمام فبراير وبقية فصول الربيع مهمة اصلاح عقول صانعي القرار والساسة ورجال الدين او الثورة عليهم ايضاً قبل الوصول الى رجل الشارع البسيط .
كل ثورة نجحت ولمست أهدافها كانت تمتلك مجتمعات متسامحة اسرعت الخطى في مضمار الوعي والحرية وحطمت القلاع والخرافات التي تقوض المستقبل او التي تجعل من فصيل يتفرد بمصيرها ومستقبلها.
فتاريخ الأمم ليس حكراً على أي فصيل وتاريخ ثورة فبراير ايضاً ليس حكراً على من خرجوا للساحات وسقطوا شهداء وجرحى او احتضنتهم جدران الزنازين بل سيكتب التاريخ نبل وطهارة تلك الأهداف والمبادئ وسيذكر اداور البقية ولا زال في الوقت متسع فالثورة تتجدد وتنتظر أدوار الجميع ليدونها تاريخ الوفاء للتضحيات وصدق النوايا وبراءة الأفعال التي وهبها الشباب مهجهم.
لنقطع علاقتنا بالمحطات السوداء، ففبراير حلم نقي أبيض وان كان فيه سواد يذكر فهو من عند أنفسنا التي تعاني من زهايمر التاريخ وذاكرته الضعيفة التي لا تستحضر وحدة المصير وترابطه فعلى مر التاريخ بمجرد انشغالنا بمعارك داخلية خاسرة نبدد اهداف ثوراتنا حتى في تاريخنا الإسلامي كانت احداث صفين والجمل والنهروان وغيرها عداً تنازلياً لدعائم ثورة محمدية تنعم برغد العيش والعدل والحرية.
ولنتمكن من ادارة الحاضر ادارة جيدة في ذكرى فبراير المتجددة وما تواجهه من اخطار علينا ان نبدع في حياكة مشاريع وطنية تحشد طاقات المجتمع بكافة توجهاته نحو هدف واحد نسعى اليه دون تفاعلات مسكونة بالخوف من الاخر وضعف الثقة وسوء الظن والا فلتتراجع كل الوجوه التي مل التاريخ من ترديد اسمائها مرارا وتكرارا في ظل أوضاع لا تتحسن وتتحرك قدما قيد أنملة ولتتقدم على رقعة الشطرنج وجوه مؤمنه بطهارة شباب فبراير وتنعقد لها الثقة فلم تنقشع غمامة العصور المظلمة في أوروبا الا حين اصطدمت حركات التنوير بطموحات فريدناند التوسعية وعلى نخبنا اليوم ان لا تصادم أي موروث ورد في اسفار فبراير وان ترتبط اهدافنا جميعاً بمصالح واهداف الخلاص لهذه الشعوب .
فبراير فرصة لوقفة نقدية لأوضاعنا وتحرير عقولنا ونقلها الى بقعة الفعل الحضاري بدلاً من الاستسلام لاحاديث الابتلاءات القدرية فلا مستقبل لثورة لا تفهم طبيعة السيطرة في عالم اليوم ولا بروز لثقافتها الا بخلق ثقافة صلبة تواكب تحديات هذا العصر الذي تديره قوى تبحث عن النسخ المشوهة للثورات وتستمتع بضياع النسخة الاصلية بينما يشهد التاريخ لنا باننا من صدَّر أروع النسخ لثورة سادت العالم ترسخ فيه قيم العدالة والحرية والثقافة والعلوم والفنون كطيور مهاجرة الى قارات العالم أجمع ولكن الحاضر اليوم لا يسعفه سرد تاريخ ماضي بل ينتظر تطبيق معادلات صحيحة على ثوراتنا المتجددة فخطوة الألف ميل تبدأ بثورة .
السلام على روح شاعن واخوانه جميعاً وليحففهم المجد والخلود
* المهندس منذر السقاف - كاتب من عدن
المقال خاص بالموقع بوست