هم لا يتلقون الهزائم اليومية على الأرض وحسب، وإنما في جولات المشاورات أيضاً. في جنيف1 كانوا أكثر تذبذباً وتملصاً ومراوغة.. وكشفت بعض خيوط الزيف التي ترجمت من خلال خروقات وأنشطة عسكرية تؤكد عدم رغبتهم في السلم لأنهم ليسوا أصحاب حق ويريدون فقط أن يتخذوا من أسلحتهم المكتنزة منذ سنين وسيلة لفرض واقع لا يريده اليمنيون ولا الإقليم ولا العالم.
في مشاورات مدينة بيل السويسرية «جنيف2»؛ انكشفت مسرحية هذا الحلف المغتصب لكل الإرادات التي تحلم بالحياة الآمنة وتطمح دوماً للسلم. كذبوا وأثبتوا أنهم دعاة حرب، كانوا يتحدون عن فك الحصار عن تعز ويزيدون من قبضتهم على مداخل ومخارج المدينة المحاصرة منذ أشهر.. وعدوا المجتمع الدولي بالإفراج عن المعتقلين السياسيين وغيرهم وزادوا من حدة الاختطاف للنشطاء والمعارضين ومن ملاحقة الصحفيين، وذلك بالتزامن مع انطلاق المشاورات وحتى بعد انتهائها.
في جلسات المشاورات، مارسوا تهديدات شفهية في وجه ولد الشيخ والفريق الذي يدير معه المشاورات اليمنية اليمنية، حتى أن أحدهم تلفظ بألفاظ جارحة وغير لائقة بحق المبعوث الأممي ولد الشيخ، بينما لم يعلق الأخير على موضوع اتهامه صراحة بأنه متواطئ مع الحكومة الشرعية وحلفائها في الإقليم حتى أنه وصف من أحد نشطائهم بأنه مبعوث سعودي وليس أممياً، وأسماه «إسماعيل ولد الشيك».
انكشفت أخلاقيات هذا الحلف أمام المجتمع الدولي، وكان حضور هذا الزيف طاغياً في وسائل الإعلام العربية والدولية، خصوصاً وأن وفد الحكومة هذه المرة استفاد من خبرات وفد إعلامي رافقهم إلى مشاورات بيل، وأوضح للرأي العام كيف أن الحكومة الشرعية تبحث عن كل فرص السلم وتتنازل من أجل إيقاف الحرب؛ بينما المتمردون يخرقون الهدنة ويواصلون قصف المنشآت المدنية ويحاصرون المدن والمدنيين ويتحدون الإقليم والعالم.
لقد سنحت لي الفرصة بأن أكون أحد الإعلاميين المرافقين لوفد الحكومة الشرعية إلى مشاورات بيل.. ومنها كنت مطلع عن كثب على مدى زيف جماعة الحوثي وصالح. بموفدهم المفاوض أو بقياداتهم السياسية أو بعناصرهم على الأرض، كانت المراوغة والتعنت والزيف هو أسلوبهم الذي ينبئ عن أن الحوار مع هذي الجماعة عبث في عبث. ما هو أسوأ أنهم كشفوا عن أن قرارهم ليس بيدهم، ويعود إلى القيادات الفارة في الجبال والتي هي الأخرى قرارها بأيادي الملالي الإيرانية.. فضلاً عن خلافات وتباينات كانت تبرز من وقت لآخر بين موفدي الحوثي وصالح أنفسهم. ولقد كان رد الدكتور أبو بكر القربي عن أن تعز ليست محاصرة دليل على ارتباك موقفهم وعدم قدرتهم على الدفاع عنه بموضوعية وصدق. ليس الإعلاميين وموفدي القنوات اللبنانية والإيرانية كان دليلاً قاطعة على أن القضية قضية طهران، ولكن كان هناك خبراء من حزب الله في كواليس المشاورات.
وغير مرة كان رجل يدعى ناصر أخضر يلتقي بأعضاء الوفد الإعلامي والوفد المفاوض ونلمحهم مصادفة في شوارع ومقاهي بيل وفي جنيف أيضاً. باختصار، وفد الحوثي وصالح هذي المرة انهزم هزيمة شنيعة، ليس لأن وفد الحكومة كان على قدر عالي من الالتزام والذكاء لأنه حاول بنباهة وحس السياسي أن يوقع الخصم في أكثر من مرة وعند أكثر من نقطة ، ولكن ربما أن وفد الانقلابيين ليس لديهم ما يقولونه. انهزموا وحوصروا عند نقطة المعتقلين لأنهم يريدون أن يلعبوا بورقة إنسانية كل منظمات ودول العالم تنتقدهم عليها. انهزموا لأنهم دخلوا التفاوض على أساس أنهم طرف انقلابي ومتمرد على الحكومة الشرعية. انهزموا لأن المفاوضات رحلت لجولة أخرى قد تكون في إثيوبيا أو في إسبانيا أو غيرها، وهم ملتزمون أمام المجتمع الدولي بالذهاب إليها بعد إجراءات بناء الثقة والمتمثلة في فك الحصار عن تعز وبالإفراج عن المعتقلين السياسيين على الأقل كجزء من تنفيذ قرار مجلس الأمن 2216.
في كل الأحوال، صدق الحوثيون أو نقضوا العهد كعادتهم كل مرة، فثمة إجراءات إيجابية على الأرض لصالح الحكومة الشرعية، وهذه قد تحجم من عنجهية الحوثيين وصالح سواء على الأرض أو حول طاولة وطبيعة المفاوضات القادمة.
نقلا عن صحيفة الجزيرة