[ احتفل سكان عدن بمرور عام على تحرر مدينتهم لكن الأخطار لازالت محدقة بالمدينة ]
حلت هذا الأسبوع الذكرى الأولى لتحرير مدينة عدن وطرد القوات والميليشيات الانقلابية منها، تزامن ذلك مع عودة بعض أعضاء الحكومة إلى المدينة باعتبارها العاصمة المؤقتة، بعد إقامة اختيارية خارج البلاد.
ورغم أن مدينة عدن تعيش هذه الأيام أجواء النصر، إلا أن ما شهدته المدينة خلال عام مضى منذ تحريرها من حوادث إرهابية وتطهير مناطقي واختلال أمني وتردٍ في مختلف الخدمات العامة يؤكد أن التحدي ما زال قائماً، وأن ما تحقق من نصر كان نصراً جزئياً. كما أن كل ما شهدته وما تزال تشهده المدينة يؤكد أنها غير مؤهلة لتكون عاصمة مؤقتة أو دائمة لليمن، ما لم تبذل جهود جبارة لتأهيلها لذلك.
- الاختلال الأمني
لم تنعم مدينة عدن بالاستقرار الأمني منذ تم تحريرها قبل نحو عام وحتى اليوم، رغم تواجد قوات عسكرية للتحالف العربي، وتشكيل قوات أمنية جديدة، بالإضافة إلى اللجان الأمنية المكونة من عناصر المقاومة الشعبية التي شاركت في تحرير المدينة.
ظاهرة الاختلال الأمني رافقها أزمات سياسية بين المكونات الجنوبية المختلفة التي لها حضور معتبر في عدن، وظلت الحكومة الشرعية والرئيس هادي يعملون على تهدئة هذه الأزمات، ويتضح ذلك من خلال التعيينات في بعض المناصب الإدارية والأمنية في المحافظة، وانصب محور الخلافات بهذا الخصوص حول الانتماءات القبائلية والمناطقية، بالإضافة إلى الدور الذي لعبته بعض فصائل الحراك الجنوبي والمجموعات الدينية المتطرفة.
ومما زاد من تعقيد الوضع في عدن، التداخل الغامض بين أزماتها السياسية والاختلالات الأمنية، وزاد من هذا الغموض الفجوة القائمة بين أجهزة الشرطة والأمن من جانب، والجهاز الإداري المدني من جانب آخر، لدرجة أن كل طرف لا يدري من هو غريمه المباشر.
ونتيجة لذلك، وجه البعض أصابع الاتهام وراء الاختلالات الأمنية إلى المواطنين الشماليين المقيمين والعاملين في عدن، رغم أن الجهة التي تتبنى العمليات الإرهابية إما تنظيم القاعدة أو تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، والمعروف أن أعضاء هذين التنظيمين في عدن والجنوب عموماً هم مواطنون جنوبيون، ووجدوا لأنفسهم حاضنة اجتماعية في بعض مدن وقرى الجنوب، وهذا الأمر يتم بمعرفة السلطات، ويعرفه القاصي والداني، إلا أنه يتم استغلال الحوادث الإرهابية لطرد المواطنين الشماليين من عدن لدوافع مناطقية وليس لأسباب أمنية.
صحيح أن هناك روابط وعلاقات قديمة بين تنظيم القاعدة والجماعات الدينية المتطرفة من جهة والمخلوع علي صالح من جهة أخرى، لكن ذلك ليس مبرراً لطرد المواطنين الشماليين، والذين شارك بعضهم بفعالية في معركة تحرير عدن، لأن الجهات أو الأطراف المرتبطة بالمخلوع صالح في الجنوب هم مواطنون جنوبيون في الأساس، وجاء ارتباطهم به نتيجة سخطهم من مختلف المكونات السياسية في الجنوب، ولشعورهم بالتهميش في مختلف الأوقات.
- الفشل المشترك
لا شك أن ما يحدث في عدن من اختلالات أمنية وأزمات سياسية يعكس فشل مختلف الأطراف في تهيئة عدن لجعلها عاصمة مؤقتة لليمن حتى إنهاء الانقلاب، كما أن ذلك أحبط آمال الداعين إلى جعل عدن عاصمة دائمة لليمن لعدم أهلية صنعاء لذلك بسبب الخطر الذي تشكله بعض القبائل المحيطة بها نتيجة ولاءها المناطقي والمذهبي لتيار محدد، وتقلب ولاءات بعضها وفقاً لمصالحها الذاتية.
لقد شهدت مدينة عدن حوادث وعمليات اغتيال بشعة كفيلة بجعل السلطات الشرعية -مسنودة بدعم دول التحالف العربي- أن تبذل قصارى جهدها لتثبيت الأمن والاستقرار في المدينة، لتبعث على الأقل برسائل تطمين للمواطنين، خاصة وأن العاصمة صنعاء، التي تسيطر عليها الميليشيات الانقلابية، تشهد استقرارا أمنياً أفضل من مدينة عدن، رغم أنها شهدت عمليات إرهابية محدودة مع بداية الحرب، استهدف بعضها مساجداً للحوثيين.
واللافت أن الصراعات التي تشهدها مدينة عدن تتخذ أبعاداً مناطقية وقبائلية أكثر من الأبعاد السياسية، وتركزت الصراعات حول المناصب والوظائف، ويتضح ذلك من خلال عمليات الاغتيال التي طالت محافظين وضباط أمن، والتغييرات المتسارعة في بعض المناصب المدنية والعسكرية.
وكان أن استهدفت بعض العمليات الإرهابية أهم القيادات في المحافظة، ففي 6 ديسمبر 2015 أغتيل محافظ عدن جعفر محمد سعد. وفي 16 فبراير 2016 نجا المحافظ الجديد عيدروس الزبيدي، ومعه مدير الأمن بالمحافظة، من محاولة اغتيال. وفي 29 أبريل 2016 أغتيل مدير إدارة المرور في عدن برصاص مسلحين مجهولين، كما أغتيل عدد كبير من ضباط الأمن وقيادات في المقاومة الشعبية ودعاة وجنود وغيرهم، وتصدرت مديرية المنصورة مديريات محافظة عدن في جرائم الاغتيالات.
- العدنيون والتهميش
ومنذ تحرير المدينة قبل نحو عام، يشعر الكثير من أبناء عدن بالتهميش، بسبب إسناد المناصب المهمة لشخصيات من خارج المحافظة، وخاصة منصب المحافظ، فأول محافظ لعدن بعد تحريرها، نائف البكري، الذي ينتمي إلى محافظة لحج، لكنه كان يتمتع بشعبية كبيرة في عدن، لدوره في المقاومة الشعبية، وصموده داخل مدينة عدن في الوقت الذي فر فيه منها جميع المسؤولين المحليين في المحافظة، بمن فيهم المحافظ السابق عبدالعزيز بن حبتور، كما ازدادت شعبيته بعد تعيينه محافظاً لعدن، لعمله الدؤوب في خدمة المواطنين والتجاوب الفعال مع قضاياهم، وقدرته على حفظ الأمن والاستقرار في المدينة في ظرف حساس للغاية.
وبعد أزمة افتعلها الحراك الانفصالي ضد الوزير البكري، بسبب أنه وحدوي وينتمي لحزب الإصلاح، أقدم الرئيس هادي على تعيين جعفر محمد سعد محافظاً لعدن وتعيين البكري وزيراً للشباب والرياضة.
وجاء تعيين المحافظ الجديد جعفر محمد سعد والذي ينتمي الى محافظة حضرموت، ليثير سخط الشارع العدني، الذي ساءه اختيار محافظ من خارج المحافظة، رغم دور سعد في حرب تحرير عدن، إلا أن انتماؤه الحضرمي، وتزعمه لفصيل حراكي لا يحظى بالشعبية في الجنوب، أثار ضده سخط الرأي العام، خاصة بعد فشله في تثبيت الأمن والاستقرار في المدينة، حتى صار هو نفسه ضحية أبشع عملية اغتيال شهدتها عدن، وتبناها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
وبعد اغتيال سعد، أصدر الرئيس هادي قراراً بتعيين عيدروس الزبيدي محافظاً لعدن، وقد أثار هذا القرار سخط أبناء عدن مجدداً، كون الزبيدي من أبناء محافظة الضالع وليس عدنياً، واتهم بعضهم الرئيس هادي صراحة بتعمده تهميش أبناء عدن، وأنهم بنظره ليسوا أكفاء لإدارة شؤون محافظتهم، وزاد الطين بلة، إقدام الزبيدي على إقالة بعض العدنيين من مناصبهم وتعيين ضالعيين بديلاً عنهم، وتوظيف عدد كبير من أبناء الضالع في عدن وتهميش سكان المدينة الأصليين.
إن ما تشهده عدن من أزمات سياسية وأمنية، وتجييش مناطقي ضد الشماليين، وصراعات بين الجنوبيين أنفسهم، يعيد لأبناء المدينة من كبار السن أجواء الصراعات التي كانت تشهدها مدينتهم في الثمانينيات من القرن الماضي، ويعيد أيضاً أجواء ما قبل حرب صيف 1994، بالإضافة إلى التأثير المرتبط بطبيعة الصراعات في اليمن وبلدان الربيع العربي، وكل ذلك يجعل من الوضع في المدينة معقداً للغاية، ويوفر البيئة المناسبة لنشاط الجماعات الإرهابية الجنوبية، والخلايا الإجرامية التي زرعها المخلوع علي صالح في الجنوب وعناصرها جنوبيون أيضاً، كما أن ذلك يوفر البيئة المناسبة لبعض فصائل الحراك الجنوبي لنفث سمومها المناطقية.
وأخيراً، يمكن القول بأنه لكي تكون مدينة عدن عاصمة مؤقتة لليمن، فلا بد من بذل جهود جبارة لإعادة الاستقرار لمدينة كانت في منتصف القرن الماضي لؤلؤة شبه الجزيرة العربية.