[ إحدى جلسات المشاورات بين الأطراف اليمنية بحضور المبعوث الأممي ]
دخلت مفاوضات الكويت بين الحكومة الشرعية والانقلابيين شهرها الثالث دون تحقيق تقدم يذكر، رغم الجهود التي تبذلها الأمم المتحدة والحكومة الكويتية وأطراف أخرى لإنجاح المحادثات بغرض التوصل إلى حل سياسي يضع حداً للحرب الأهلية ويقضي على مظاهر الانقلاب، وبالتالي استئناف العملية السياسية استناداً إلى قرار مجلس الأمن 2216 والمبادرة الخليجية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني.
وإذا كان تعنت وفد الانقلابيين منذ بدء المفاوضات قضى على الآمال بإمكانية التوصل إلى حل سياسي، فلماذا ما زالت بقية الأطراف تراهن على إمكانية نجاح ذلك، وخاصة الأمم المتحدة ودول الخليج والحكومة اليمنية الشرعية؟ وما هي مبررات الحرص على استمرار المفاوضات التي طال أمدها مع الإدراك بأن مصيرها الفشل؟ وما هي السيناريوهات المتوقعة في حال توقفها تماماً والإعلان عن فشلها وعدم التوصل إلى أي حل؟
أوهام الحل السياسي
عندما بدأت محادثات الكويت قبل نحو شهرين، كانت هناك آمال بإمكانية التوصل إلى حل سياسي، استناداً إلى العديد من الوقائع، والتي سنوجزها كما يلي:
- كانت المقاومة الشعبية تحرز تقدماً في بعض الجبهات، مثل جبهتي حرض ونهم، وتكبد الانقلابيين خسائر فادحة في جبهات أخرى، مثل جبهات تعز وشبوة ومريس والبيضاء وغيرها.
- في مقابل ذلك، كان طرف الانقلابيين (تحالف المخلوع صالح والحوثيين) يمر بحالة شبه انهيار، الأمر الذي دفعه إلى تهدئة الجبهة الحدودية مع السعودية، بغرض التفرغ للجبهات الداخلية، كون الجبهة الحدودية أكثر جبهة كبدت الانقلابيين خسائر فادحة في المعدات العسكرية والأرواح.
- رغم تهدئة الجبهة الحدودية، وزيارة وفد الانقلابيين للسعودية، إلا أن الانقلابيين لم يحرزوا أي تقدم على الأرض في الجبهات الداخلية التي أرادوا التفرغ لها.
- هذه التطورات دفعت دولاً غربية، في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، ومنظمات دولية، إلى الضغط على السعودية ودول التحالف العربي لإيقاف عملياتها العسكرية في اليمن واستئناف المفاوضات من أجل التوصل إلى حل سياسي، علماً أن المجتمع الدولي بخطوته هذه يريد إنقاذ الحوثيين من الانهيار الكامل، من أجل الإبقاء عليهم كجماعة مؤثرة في المشهد السياسي لتخدم الأجندة الغربية في المنطقة المتمثلة في زرع بؤر توتر من شأنها إنهاك الدول والمجتمعات ضمن مخطط الفوضى الخلاقة، وتقسيم دول المنطقة إلى دويلات صغيرة على أسس عرقية ومذهبية وطائفية.
وعندما بدأت محادثات الكويت، لم يلتزم الانقلابيون باتفاق وقف إطلاق النار، وخرقوا ذلك منذ اللحظات الأولى لبدء المحادثات وما زالوا يواصلون خرق اتفاق وقف إطلاق النار حتى الوقت الحالي.
مراوغة الانقلابيين
ذهب الانقلابيون إلى الكويت بهدف اللعب على عامل الوقت والمراوغة، مع استمرار ميليشياتهم في تكرار خرق اتفاق وقف إطلاق النار، أملاً في تحقيق تقدم على الأرض، ليرفعوا بذلك سقف مطالبهم في المفاوضات، وفرض أجندة تمكنهم من ابتلاع الدولة اليمنية بعد إعداد العدة لذلك في المراحل المقبلة.
ولعل أكثر ما شجع الانقلابيين على التعنت، موقف المجتمع الدولي المداهن لهم، وتوقف قصف طائرات التحالف العربي لمواقعهم، بالإضافة إلى عدم قدرة المقاومة الشعبية على إحراز تقدم كبير على الأرض يضع حداً لتعنت الانقلابيين ويجبرهم على تقديم تنازلات كبيرة على طريق الحل السياسي، ذلك أن المقاومة الشعبية لا تمتلك الإمكانيات التي تمكنها من تحقيق انتصارات متتالية ومؤثرة.
أما الوفد الحكومي، فقد ذهب إلى الكويت بدافع الشعور بالمسؤولية، خاصة أن الأوضاع في كثير من المحافظات والمدن اليمنية وصلت إلى حد لا يطاق. كما أنه -أي الوفد الحكومي- ذهب إلى الكويت وهو متسلح بقرارات مجلس الأمن، ودعم دول التحالف العربي، وصمود الجيش الوطني والمقاومة الشعبية في مختلف الجبهات، وعدالة القضية التي يحملها.
والحاصل الآن، بعد مرور أكثر من شهرين على بدء محادثات الكويت، أن عدم إحراز أي تقدم في المحادثات يقابله عدم إحراز أي طرف لأي تقدم عسكري في الميدان، لكن، هل سيستمر الوضع هكذا إلى مالا نهاية؟.
الأمر المؤكد هو أنه لن تنتعش محادثات الكويت إلا إذا كان هناك تقدم كبير ونوعي للمقاومة الشعبية على الأرض، كون ذلك سيدفع تحالف المخلوع صالح والحوثيين إلى تقديم تنازلات من شأنها تحريك المياه الراكدة وإنعاش المفاوضات السياسية، وما لم يحدث ذلك أو ما شابه، فلا شك أن الحوار سيفشل، وسيتم الإعلان عن ذلك رسمياً، وستكون هناك سيناريوهات أخرى، لكن ما هي هذه السيناريوهات؟.
سيناريوهات ما بعد فشل الحوار
لا شك أن مصير محادثات الكويت سيكون الفشل النهائي، ما لم يحدث اختراق، أو تقدم كبير للمقاومة الشعبية على الأرض يضع حداً لعربدة الانقلابيين ويجبرهم على الإذعان وتقديم تنازلات للحفاظ على ما حققوه من مكاسب حتى لا يخسروا كل شيء دفعة واحدة، وهناك ثلاثة سيناريوهات محتملة في حال الفشل النهائي لمحادثات الكويت، هي كما يلي:
- السيناريو الأول، إقدام السعودية ودول التحالف العربي على شن حرب عنيفة ضد الانقلابيين أعنف من الحرب السابقة، وتقديم دعم نوعي للمقاومة الشعبية والجيش الوطني، حتى يتحقق الحسم العسكري مهما كلف ذلك من تضحيات وخسائر.
- السيناريو الثاني، ويتمثل في انسحاب السعودية ودول التحالف العربي من الحرب، نتيجة الضغوط الدولية، وتقديم مختلف أشكال الدعم للمقاومة الشعبية والجيش الوطني حتى النصر على الانقلابيين، وتحرير العاصمة صنعاء وعودة الحكومة الشرعية إليها.
- السيناريو الثالث، إقدام السعودية ودول الخليج على شن جولة جديدة من الحرب ضد الانقلابيين، وتقديم دعم نوعي للمقاومة الشعبية والجيش الوطني، حتى يتم تحرير محافظات جديدة ودحر الانقلابيين منها، مع الاستمرار في الحوار، من أجل إجبار الانقلابيين على تقديم تنازلات، وتطبيق قرار مجلس الأمن، واستئناف العملية السياسية وفقاً للمبادرة الخليجية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني.