[ وصلت الازمة بين السعودية وايران الى اوجها بعد اعدام النمر ]
لم تشهد السياسة الدولية قبل الثورة الخمينية صراعاً بالميليشيات، كما يحدث اليوم، فقد كان الصراع سياسي في أصله ليتحول إلى "صراع عسكري" كامل بين دولتين، أكانت بالوكالة أو بالمواجهة العسكرية المباشرة، فيما أنشأت إيران بعد الثورة استراتيجية جديدة، فخلقت العداء مع معظم الشعوب المجاورة.
كان هذا أبرز نقاط التوتر بين الجمهورية الإيرانية والمملكة العربية السعودية، وليست الحادثة الأولى التي تصل بين الدولتين إلى القطيعة، أو الاعتداء على السفارة السعودية في إيران، فقد حدث ذلك من قبل في يوليو/تموز عام 1987 توترت العلاقات بين السعودية وإيران وكادت تصل إلى حد القطيعة بعد مقتل 402 حاج من بينهم 275 إيرانيا قتيلا في اشتباكات أثناء موسم الحج حيث أثار الحجاج الايرانيون الشغب في مكة المكرمة لأجل تحرير فلسطين ورفضا للسياسة الأمريكيـة.
و تصاعدت التوتر إثر خروج محتجين إلى شوارع طهران واقتحامهم السفارة السعودية 1987 واحتجاز الدبلوماسيين السعوديين بداخلها، كما أضرموا النار في السفارة الكويتية، وقد توفي آنذاك الدبلوماسي السعودي مساعد الغامدي في طهران متأثرا بجروح أصيب بها عندما سقط من نافذة بالسفارة واتهمت الرياض طهران بالتأخر في نقله إلى مستشفى في السعودية. وقد اعتدى المهاجمون على القنصل السعودي في طهران رضا عبد المحسن النزهة، وبعد تلقيه العلاج اقتادته قوات الحرس الثوري الإيراني واعتقلته قبل أن تفرج عنه بعد مفاوضات بين السعودية وإيران.
وعاد التوتر من جديد عام 1988م، الحرب العراقية الإيرانية، قام الحجاج الإيرانيون بمظاهرة سياسية عنيفة ضد الموقف السعودي الداعم للعراق أثناء الحرب العراقية الإيرانية ، وذلك أثناء الحج في مكة المكرمة في عام 1987. وبعد الشغب مباشرة، طالب الخميني الشيعة بمن سماه الثأر لقتلى الحجاج الإيرانيين، وذلك بالإطاحة للحكومة السعودية.
وعلى اثر ذلك قام الملك فهد بقطع العلاقات الدبلوماسية في أبريل/نيسان عام 1988م.
ومنذ ذلك التاريخ ظلت مقطوعة حتى تمت استعادة العلاقات عام 1991. وحتى قبل الأزمة الحالية وإعدام القيادي الشيعي نمر النمر كانت المفاوضات جارية لتعيين سفير للسعودية في إيران، لكن يبدو أن إيران ما زالت، تنظر للدول العربية كما كان الفُرس ينظرون للعرب قبل 1500 عام، ولا تتعامل معها كدول ذات سيادة، بل تتعامل كمشيخيات ورعايا تابعين لهم.
ولم يتعد الأمر إلى الاعتداء على الدبلوماسيين السعوديين في إيران ففي 11 أكتوبر/تشرين الاول 2011 كشفت السلطات الأمريكية عن إحباط مؤامرة إيرانية لتفجير سفارتي إسرائيل والسعودية واغتيال السفير السعودي في الولايات المتحدة عادل الجبير، وقد قالت الرياض إن الأدلة دامغة وإن إيران ستدفع الثمن.
"وفي 4 يناير/ كانون الثاني 2016" يقف "الجبير" كوزير للخارجية ويعلن عن قطع العلاقات مع إيران، بعد الهجوم على سفارتها في "مشهد"، فإيران -بشكل عام- تحظر التظاهر لأي سبب كان، وتقمع أي خروج حتى ولو كان لمدرسين معترضين على جدول الحصص فهذا الموقف هو عمل عدائي تقوم به إيران كعادتها.
ويبدو أن طهران مصدومة من القرار السعودي، فيبدو أن المملكة العربية السعودية قررت أن تضع كل الأوراق على الطاولة وتتجرأ وتواجه إيران بعيداً عن "الدبلوماسية" التي حاولت المملكة مراراً تجنب قطعها مع إيران، وهو الخيار السليم لمواجهة دولة تتعامل مع الدول المجاورة كعصابة.
ومن غير الصحيح أن إيران دولة قوية، بل إن مصدر قوتها هو ضعف الأنظمة السياسية العربية وتفككها، فقواتها معظمها دفاعية، ومتهالكة، بفعل الحصار أطبق عليها بسبب الملف النووي وسياستها العدائية، وهو ما تسبب أيضاً في ترهلات سياسية داخلية، بفعل نشوء الجيل الثالث للثورة الرافض لسلطات الولي الفقيه، وبالرغم إن ترتيب "إيران" في مؤشر القوة العسكرية العالمية2015 يصل إلى (22) فيما تحل السعودية في المرتبة (25) إلا أن ما يعتمد عليه يتعلق بالجيوبوليتيك بشكل أكبر من القوة الفعلية العسكرية، بالإضافة إلى أن الرياض تملك تحالفات استراتيجية "واسعة" مع المحيط المجاور لها، بعكس إيران التي ما زالت تعتمد سياسة "القطبين".
مستقبل توتر العلاقات السعودية الإيرانية
تعتمد إيران في سياستها الخارجية على تخويف المحيط المجاور لها، وإذا ما أستمر هذا الخوف لدى الأنظمة العربية، ستستمر إيران بالتدخل الواسع للسيطرة عليها عبر ميلشيات محلية تختلقها، بفعل التكوينات المجتمعية القريبة منها.
لذلك فإن العلاقات السعودية- الإيرانية تتجه وتؤثر في الآتي:
أولاً: يبدو أن إيران ستدفع باتجاه المزيد من التصعيد العسكري لأدواتها في العراق واليمن، "الجبير" حذر من المساس بسفارة بلاده في بغداد محملاً إيران المسؤولية، وفي أغسطس الماضي تداولت وسائل إعلام عراقية وخليجية أن قائد فيلق "قدس" قاسم سليماني نشر مجموعة من ميليشاته على الحدود العراقية- السعودية، ولا يبدو أن هذه الجبهة ستتحرك، إلا مع انهاك "المملكة" على الحدود الجنوبية لها، من قبل مسلحي الحوثي الذين يهاجمون الحدود بشكل دوري منذ بدء العمليات العسكرية في مارس/ آذار الماضي.
وظهر هذا الأمر واضحاً ليلة الأحد و يوم الاثنين، فقد تحدث علي ولايتي مستشار خامنئي لوفد حوثي من رابطة علماء اليمن برئاسة شمس الدين شرف الدين و عبدالسلام الوجيه بالقول: يجب أن يطلق على الحوثيين أبطال العالم الإسلامي والعربي. داعياً إلى الانتقام لإعدام "النمر"، ونشرت صحيفة "همشري" في الصفحة الأولى من عدد الأحد، صورة لأحد الحوثيين يحمل صورة "النمر" وتقول إن "أنصار الله أطلقوا عشرات الصواريخ (قاهر 1) انتقاماً لإعدام (النمر)"، وهو ذات الخبر الذي نشرته وكالة "فارس" في اليوم التالي؛ ونشرت الصحافة الإيرانية بمختلف توجهاتها وأسمائها تهديدات عديدة بـ"الموت للسعودية" وأن "الانتقام قريب".
الثاني: قد تدور مواجهات مباشرة بين إيران والمملكة في العراق أو البحرين أو حتى على "المياه الإقليمية" الخليج العربي، وفي ظل تردد المواقف العربية إزاء طهران وتخوفاتها- على الأقل حتى الآن- فإن العواقب ستكون وخيمة على كل الدول العربية، وليس فقط المملكة.
ثالثاً: في إطار التصعيد الكلامي، والإعلامي بين طهران والرياض، فقد تكون الحاجة ماسة إلى تحالف ثلاثي بين "مصر- تركيا – السعودية"، إلى جانب التحالف الأكبر "الإسلامي -العربي"، وبذلك ستهدأ إيران وقد تغير من سياستها تجاه الدول العربية، رغم استحالة ذلك فالتدخل هو عقيدة دستورية في السياسة الخارجية الإيرانية.
رابعاً: تبدو روسيا أكثر المتخوفين من تدهور العلاقات، فالرياض ستسعى بقوة من أجل هزيمة إيران في سوريا، وستكون مواقفها أكثر صرامة من أجل عدم وضع جناح لإيران في أي مرحلة انتقالية، وبالتالي فإن روسيا التي تأمل السرعة في الحل ستبدو "في ورطة" لذلك سارعت إلى إدانة الهجوم على سفارة الرياض في "مشهد"، وبحسب وكالة "فارس" فقد دعت وزيرا خارجية البلدين إلى اجتماع "الجمعة" لحل المسائل الخلافية.
خامساً: إيران تبدو متأزمة فعلاً من هذا "التورط" وتأزيم العلاقات، فطهران كانت حريصة من أجل الحصول على تنازل سعودي لرفع أسعار النفط، فإيران دولة "ريعية" ويحتاج اقتصادها لأن يكون سعر البرميل فوق 100$ من أجل النهوض من جديد بعد الحصار الاقتصادي.
تأثير تدهور العلاقات السعودية- الإيرانية على العمليات العسكرية في اليمن
علام يبدو فإن توتر هذه العلاقات سيلقي بضلاله على العمليات العسكرية وتسريع الحسم، بعيداً عن الحسابات السياسية المختلفة لدول التحالف في البلاد، وستتجه الرياض إلى إقامة دولة "مكتملة الأركان" مدبية الحرص على أن تبقي الاستقرار في اليمن بغض النظر عمن يحكم، فقد خسر الوطن العربي سوريا والعراق ولبنان وليس عنده استعداد لخسارة "اليمن".
وخلافاً لتحليلات سابقة بأن "المملكة" تنظر إلى ضرورة أن يكون "الحوثيين" ضمن مرحلة انتقالية قادمة إذا التزموا بقرار مجلس الأمن وتحولوا إلى جماعة السياسية، فمن الواضح أن التهديد الإيراني المستمر واستغلال القيادة الإيرانية للحوثيين يدفع القيادة السعودية إلى الحرص على قطع أية جذور لإيران في اليمن، خوفاً من استهدافها في خضم توتر العلاقات من "ضاحيتها الجنوبية"، لذلك ليس أمام التحالف العربي سوى الانتصار، ومرحلة انتقالية لا تتضمن الرئيس اليمني السابق وعائلته و لاجماعة الحوثي.